السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

قال تعالى: [فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5) ]. {الماعون}.

أجمع العلماء على أن السهو هنا المقصود به :

1- السهو عن وقتها أي إضاعة وقتها . 2- السهو عما يجب فيها . 3- السهو عن حضور القلب .

عن العلاء بن عبد الرحمن أنه قال دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر فقام
يصلي العصر فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة أو ذكرها فقال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين
تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرني شيطان
أو على قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا " ( صحيح
)، وأخرجه مسلم .

وفي هذا الحديث اجتمعت المعاني الثلاثة للسهو فقد وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بإضاعة:

- الوقت بقوله :" يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان " .

- الأركان بقوله :" قام فنقر أربعا ".

- حضور القلب بقوله: " لا يذكر الله فيها إلا قليلا " .

وهناك حد أدنى من حضور القلب لا بد أن يحققه المصلي حتى لا يدخل تحت هذا
الوعيد وهو الطمأنينة ,عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا دخل المسجد يصلي
ورسول الله صلى الله وعليه وسلم في ناحية المسجد فجاء فسلم عليه فقال له: (
وعليك السلام ) ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم سلم فقال : وعليك (
السلام ) ارجع فصل فإنك لم تصل قال قي الثالثة فأعلمني قال إذا قمت الى
الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر واقرأ ماتيسر معك من القرآن ثم
اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن
ساجدا ثم ارفع حتى تستوي وتطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى
تستوي قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"" أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .

قال تعالى يثني على العلماء : [قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا
إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ
يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا] {الإسراء:107} )

كما قال تعالى في : [قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ(1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2) ]. {المؤمنون}.

وأصل الخشوع سكون القلب وحضوره وخضوعه فإذا خضع القلب تبعه خضوع الأعضاء والجوارح و استشعار الإنسان لما يقول ويفعل .

و الإنسان قد بلي في مسيره إلى الله بأمرين عظيمين هما :الشيطان- وهوى النفس .

وأحرص ما يكون الشيطان على إضاعة الصلاة فإن لم يستطع اكتفى بالوسوسة
للإنسان حال صلاته حتى يصرفه عن الخشوع فيها وهوى النفس مساعد لوسوسة
الشيطان فالنفس أمارة بالسوء ولا شك قال تعالى: [وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي
إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ
رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ] {يوسف:53}

كما قال تعالى: [وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى] {النَّازعات:40}

أهم حيل الشيطان ( وسوسة الشيطان) لصرف الإنسان عن الخشوع في الصلاة :

1- طول الأمل:

كلما أردت الخشوع في الصلاة دخل عليك الشيطان بطول الأمل في المرة القادمة
سأخشع ... الحل هنا أن يدافع الإنسان هذه الحيلة ويعلم أنها من الشيطان ,
وليصر على أن يصل صلاة مودع فهذه الصلاة سوف ترفع وتدخر له فلا اقل من أن
يتقنها , وهذه الحيلة يشترك فيها الشيطان مع حيلة من حيل النفس وهي التسويف
, لذلك هي خطيرة بمكان , فالإنسان يغالب فيها هوى نفسه وشيطانه لذلك نرى
الكثير من يفتر عن الخشوع في الصلاة بسبب طول الأمل .

2- تعليق العبد بالمغفرة :

فلا يضع امام عينيه إلا أن الله غفور رحيم , وأنه سيتقبل منه صلاته بلا
خشوع , ولا باس من أن يؤدي الصلاة بلا خشوع , ليعلم العبد أن هناك من ينصرف
من صلاته ولم يعقل إلا نصفها ثلثها ربعها , عن عمار بن ياسر ( رضي الله
عنه ) قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول :" إن العبد ليصلي
الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها
ثلثها نصفها" رواه أبو داود , وليعلم الله شديد العقاب .

3- التعب :

يوسوس للإنسان بأنه سيتعب حتى يصل للخشوع وان الخشوع أمر متعب , الحل أن
يعلم العبد إن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وطالما إننا أمرنا بالخشوع فهو
في وسعنا ومن المستحيل أن يكلفنا الله بما لا نستطيعه .

4-احتقار النفس :

يوسوس لك في الصلاة بان مثلك لا يجدي أن يخشع فذنوبك كثيرة , على العبد أن
يصرف هذه الوسوسة وليعلم أنها من الشيطان فالله يقبل على من أقبل عليه ولو
بلغت ذنوبه عنان السماء .

3- جمع همة العبد على أمر الدنيا فيوسوس له بأمور الدنيا ويذكره بها فإذا
وجد من العبد الاسترسال معه زاد حتى ينهي العبد صلاته ولم يفقه ما قال فيها
. و الحل أن يصرف العبد تفكيره عن هذه الوسوسة ويعلم أنها من الشيطان
ويجاهد نفسه مرة تلو الأخرى ويستعيذ بالله من الشيطان ويطلب العون من الله
أن يرزقه قلبا خاشعا ويتذكر ثناء الله على الخاشعين وأنه يقابل الرحمة
فليستحي أن يرى الله منه انصرافه عنه لأمور الدنيا .

أهم حيل النفس ( هوى النفس ) لصرف الإنسان عن الخشوع في الصلاة :

1- التسويف :

في الركعة القادمة أخشع , في الصلاة القادمة اخشع وهكذا , والحل معها أن
يذكر الإنسان نفسه أن الاطمئنان ركن من أركان الصلاة لا تقبل بدونها ولا
تدري نفس متى تموت .

2- مقارنة النفس بمن هو دونها :

فيشعر العبد بأنه أفضل حالا من غيره الذي لا يصلي أبدا , الحل أن ينظر لمن هو فوقه وكيف أنه قد سبقه .

3- محاولة تصعيب الأمر :

فيكون الأمر إما أن اخشع خشوعا يجعلني لا أشعر بما حولي أو لا دعي للخشوع ,
على العبد أن يعلم أن الوصول لهذه الدرجة يحتاج للمداومة والمجاهدة.