أحلى حياةمدير عام المنتدى
تاريخ التسجيل : 10/08/2009
| موضوع: فقر المشاعر ! الأربعاء 31 مارس 2010, 12:47 am | |
| كما أن هناك من الأولاد من لا يحسن التعامل مع والديه ولا يراعي مشاعرهما فهناك من الوالدين من هو كذلك، فبعضهم يقسو على أولاده قسوة تخرجه عن طوره, فتراه يضربهم ضرباً مبرحاً عند أدنى هفوة, وتراه يبالغ في عتابهم وتوبيخهم عند كل صغيره وكبيره, وتراه يقتّر عليهم مع قدرته ويساره, مما يجعلهم يشعرون بالنقص والحاجة, وربما قادهم ذلك إلى البحث عن المال إما بسرقة, أو بسؤال الناس, أو بالارتماء في أحضان رفقة السوء؛ فيفقدون إنسانيّتهم، وكرامتهم. ومن الوالدين مَنْ يحرم أولاده من الشفقة والحنان, وإشباع العواطف؛ مما يحدوهم إلى البحث عن ذلك خارج المنزل. ويشتد الأمر إذا كان ذلك في حق البنات؛ فهن أرقّ شعوراً, وأندى عاطفة؛ فإذا شعرت بفقر من هذا الجانب أظلمت الدنيا في وجهها, وربما قادها ذلك إلى البحث عما يشبع عواطفها؛ ولعل هذا من أعظم أسباب المعاكسات, وضيعة الآداب.
ومما يجرح مشاعر الأولاد: التفريق بينهم, وترك العدل في معاملتهم سواء كان ذلك في العطايا والهبات والهدايا أو بالمزاح, والملاطفة والحنان. ومما يدخل في هذا القبيل احتقار الأولاد, وذلك بإسكاتهم إذا تكلموا, والسخرية بهم وبحديثهم مما يجعل الواحد منهم, عديم الثقة بنفسه, قليل الجرأة في الكلام والتعبير عن رأيه. ومما يدخل في ذلك قلة العناية بتربيتهم على تحمل المسؤولية, وعدم إعطائهم فرصة للتصحيح إذا أخطؤوا. ومن ذلك قلة المراعاة لتقدير مراحل العمر التي يمر بها الولد؛ فتجد من الوالدين من يعامل ولده على أنه طفل صغير؛ مع أنه قد كبر, فهذه المعاملة تؤثر في شعور الولد، وتشعره بالنقص. ومما يجرحُ مشاعرَ الولدِ دخولُ والدِه في كل صغيرة وكبيرة من أمره إذا تزوّج؛ فتجد من الوالدين من يفرض وصاية عامّة, ويضع سياجاً محكماً على أولاده حتى بعد أن يتزوجوا؛ فتراه يدخل حتى في شؤونهم الخاصة, وربما أتى بيوتهم على غِرّة, وربما فرض عليهم آراءه التي قد تكون مجانبة للصواب. كل ذلك من الخلل في التربية, ومما يورث الخوف والتردّد, والهزيمة لدى الأولاد.
لذلك كان لزاماً على الوالد أن يراعي تلك الجوانب في التربية, ومما يعينه عليه أمور منها: 1- تنمية الجرأة الأدبية في نفس الولد: وذلك بإشعاره بقيمته، وزرع الثقة في نفسه; حتى يعيش كريماً شجاعاً صريحاً جريئاً في آرائه، في حدود الأدب واللياقة، بعيدًا عن الإسفاف والصفاقة; فهذا مما يشعره بالطمأنينة، ويكسبه القوة والاعتبار، بدلاً من التردّد، والخوف، والهوان، والذلّة، والصَّغار. 2- استشارة الأولاد: كاستشارتهم ببعض الأمور المتعلقة بالمنزل أو غير ذلك، واستخراج ما لديهم من أفكار، كأخذ رأيهم في أثاث المنزل، أو لون السيارة التي سيشتريها الأب، أو أخذ رأيهم في مكان الرحلة أو موعدها، ثم يوازن الوالد بين آرائهم، ويطلب من كل واحد منهم أن يبدي مسوّغاته، وأسباب اختياره لهذا الرأي، وهكذا. ومن ذلك إعطاؤهم الحرية في اختيار حقائبهم، أو دفاترهم، أو ما شاكل ذلك; فإن كان ثَمّ محذور شرعي فيما يختارونه بيَّنهُ لهم. فكم في هذا العمل من زرع للثقة في نفوس الأولاد، وكم فيه من إشعار لهم بقيمتهم، وكم فيه من تدريب لهم على تحريك أذهانهم، وشحذ قرائحهم، وكم فيه من تعويد لهم على التعبير عن آرائهم. 3- تعويد الولد على القيام ببعض المسؤوليات: كالإشراف على الأسرة في حالة غياب ولي الأمر، وكتعويده على الصرف، والاستقلالية المالية، وذلك بمنحه مصروفاً مالياً كل شهر أو أسبوع; ليقوم بالصرف منه على نفسه وبيته. 4- تعويد الأولاد على المشاركة الاجتماعية: وذلك بحثهم على المساهمة في خدمة دينهم، وإخوانهم المسلمين إما بالدعوة إلى الله، أو إغاثة الملهوفين، أو مساعدة الفقراء والمحتاجين، أو التعاون مع جمعيات البر، وغيرها. 5- التدريب على اتخاذ القرار: كأن يعمد الأب إلى وضع الابن في مواضع التنفيذ، وفي المواقف المحرجة، التي تحتاج إلى حَسْمِ الأمر، والمبادرة في اتخاذ القرار، وتحمُّل ما يترتب عليه، فإن أصاب شجّعه وشدّ على يده، وإن أخطأ قوَّمه وسدّده بلطف; فهذا مما يعوِّده على مواجهة الحياة، وحسن التعامل مع المواقف المحرجة. 6- فهْم طبائع الأولاد ونفسياتهم: وهذه المسألة تحتاج إلى شيء من الذوق، وسبْر الحال، ودقّة النظر. وإذا وُفِّق المربي لتلك الأمور، وعامل أولاده بذلك المقتضى-كان حريّاً بأن يحسن تربيتهم، وأن يسير بهم على الطريقة المثلى. 7- تقدير مراحل العمر للأولاد: فالولد يكبر، وينمو تفكيره، فلا بدّ أن تكون معاملته ملائمة لسنه وتفكيره واستعداده، وألا يُعامل على أنه صغير دائماً، ولا يُعامل -أيضاً- وهو صغير على أنه كبير; فيُطالب بما يُطالب به الكبار، ويُعاتب كما يُعاتبون، ويُعاقب كما يُعاقبون. 8- تلافي مواجهة الأولاد مباشرة: وذلك قدر المستطاع خصوصاً في مرحلة المراهقة، بل ينبغي أن يقادوا عبر الإقناع، والمناقشة الحرة، والحوار الهادئ البناء، الذي يجمع بين العقل والعاطفة. 9- الجلوس مع الأولاد: فمما ينبغي للأب-مهما كان له من شغل-أن يخصص وقتاً يجلس فيه مع الأولاد، يؤنسهم فيه، ويسليهم،ويعلمهم ما يحتاجون إليه، ويقص عليهم القصص الهادفة; لأن اقتراب الولد من أبويه ضروري جدًا; وله آثاره الواضحة، فهذا أمر مجرّب; فالآباء الذين يقتربون من أولادهم; ويجلسون معهم، ويمازحونهم -يجدون ثمار ذلك على أولادهم، حيث تستقرّ أحوال الأولاد، وتهدأ نفوسهم، وتستقيم طباعهم. أما الآباء الذين تشغلهم الدنيا عن أولادهم -فإنهم يجدون غبَّ ذلك على الأولاد، فينشأ الأولاد وقد اسودّت الدنيا أمامهم، لا يعرفون مواجهة الحياة، فيتنكبون الصراط، ويحيدون عن جادّة الصواب، وربما تسبب ذلك في كراهية الأولاد للوالدين، وربما قادهم ذلك إلى الهروب من المنزل، والانحدار في هاوية الفساد. 10- العدل بين الأولاد: فما قامت السماوات والأرض إلا بالعدل، ولا يمكن أن تستقيم أحوال الناس إلا بالعدل; فمما يجب على الوالدين تجاه أولادهم أن يعدلوا بينهم، وأن يتجنبوا تفضيل بعضهم على بعض، سواء في الأمور المادية كالعطايا والهدايا والهبات، أو الأمور المعنوية، كالعطف، والحنان، وغير ذلك. 11- إشباع عواطفهم: فمما ينبغي مراعاته مع الأولاد إشباع عواطفهم، وإشعارهم بالعطف، والرحمة، والحنان; حتى لا يعيشوا محرومين من ذلك، فيبحثوا عنه خارج المنزل; فالكلمة الطيبة، واللمسة الحانية، والبسمة الصادقة، وما جرى مجرى ذلك - له أثره البالغ في نفوس الأولاد. 12- النفقة عليهم بالمعروف: وذلك بكفايتهم، والقيام على حوائجهم; حتى لا يضطروا إلى البحث عن المال خارج المنزل. 13- إشاعة الإيثار بينهم: وذلك بتقوية روح التعاون بينهم، وتثبيت أواصر المحبة فيهم، وتعويدهم على السخاء، والشعور بالآخرين، حتى لا ينشأ الواحد منهم فرديًا لا همّ له إلا نفسه. ثم إن تربيتهم على تلك الخلال تقضي على كثير من المشكلات التي تحدث داخل البيوت. 14- الإصغاء إليهم إذا تحدثوا، وإشعارهم بأهمية كلامهم: بدلاً من الانشغال عنهم، والإشاحة بالوجه وترك الإنصات لهم. فالذي يجدر بالوالد إذا تحدث ولده-خصوصًا الصغير-أن يصغي له تمامًا، وأن يبدي اهتمامه بحديثه، كأن تظهر علامات التعجب على وجهه، أو يبدي بعض الأصوات أو الحركات التي تدل على الإصغاء والاهتمام والإعجاب، كأن يقول: رائع، حسن، صحيح، أو أن يقوم بالهمهمة، وتحريك الرأس وتصويبه، وتصعيده، أو أن يجيب عن أسئلته أو غير ذلك، فمثل هذا العمل له آثار إيجابية كثيرة منها: أ- أن هذا العمل يعلّم الولد الطلاقة في الكلام. ب- يساعده على ترتيب أفكاره وتسلسلها. ج- يدرّبه على الإصغاء، وفهم ما يسمعه من الآخرين. د- أنه ينمّي شخصية الولد، ويصقلها. هـ - يقوّي ذاكرته، ويعينه على استرجاع ما مضى. و- يزيده قرباً من والده . هذه بعض الأساليب التي تنهض بالمشاعر، وترهف الأذواق لدى الأولاد.
------------------------------------ (1) رواه البخاري(6675). (2) رواه البخاري في الأدب المفرد (14)، وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد: "حسن الإسناد". (3) رواه مسلم (2552)، وأبو داوود (5143). (4) رواه الإمام أحمد 6/151، وعبد الرزاق في المصنف (20119)، والبغوي في شرح السنة 13/7، وصححه الحاكم 3/208، ووافقه الذهبي. (5) المحاسن والمساوئ، لإبراهيم البيهقي ص 614 وحلية الأولياء 2/273. (6) القد: السوط، وهو في الأصل سير يُقَدُّ من جلد مدبوغ.
الموضوع : فقر المشاعر ! المصدر : مسجد الهدي المحمدي الكاتب: أحلى حياة |
|