لأهل
العلم بالتأمل في كتاب الله تعالى نظرات لطيفة تَعجبُ من تداعيها إلى
الأفهام أصلاً، بعضها إحصاءاتٌ دقيقة لا تعدو كينونتها إلفاً وتعوداً من
كثرة تلاوة القرآن الكريم وتعاهده، وبعضها توجيهات لألفاظ القرآن قد تكون
مهمةً جداً لبيان المعنى الصحيح، وبدونها يضل القارئ في فهم المعنى، كما هو
في فهم كثير من الناس أن قوله تعالى "إن إبراهيم كان أمة" أي رجلاً يزِنُ
أمةً أي جماعة من الناس، فهو رجلٌ بأمة، وهو معنى صحيح إن شاء الله لكنه
ليس المراد من كلام الله جل وعلا كما سترى، وهاك بعضاً من هذه النكات
اقتبستها سماعاً وحفظتها من بعض مشايخي أولي الفضل:
أولها: أنَّ أربعَ آيات فقط في كتاب الله تعالى تبدأ بحرف الشين:وقد جمعتُ مطالعَ هذه الآياتِ في عبارةِ: شَرَعَ لكم شُهُودَ شَهْرِ الشُّكْرِ.
·
أما (شرع) فقوله تعالى "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ
نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ
وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ"
(الشورى13)
· وأما (شهود) فقوله تعالى "شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ
إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً
بِالْقِسْطِ (آل عمران18)
· وأما (شهر) فقوله تعالى "شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ
الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" (البقرة185)
· وأما (الشكر) فقوله تعالى "شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"(النحل121)
وثانيها: كلمة "دِيْن" بكسر الدال في القرآن الكريم، فقد وردت لتدل على معان متعددة، منها:
·
وهو أشهر معانيها: الملة والديانة كما في قوله تعالى " وقاتلوهم حتى لا
تكون فتنة ويكون الدين لله"، وقوله "أفغير دين الله يبغون" وقوله "ومن أحسن
دينا ممن أسلم" وقوله "ورضيت لكم الإسلام دينا" وقوله "وغرهم في دينهم ما
كانوا يفترون"، وغيرها.
· ومنها كذلك: السلطان والمُلك كما في قوله
تعالى "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله" ولا أعرف لها
ثانياً، فمن زادني فله الفضل.
· ومنها: القضاء والحساب والفصل واستقصاء
الحقوق كما في قوله تعالى "ملك يوم الدين" وقوله تعالى "يومئذٍ يوفيهم الله
دينهم الحقَّ" ومنها قوله تعالى "أئنا لمدينون" أي محاسبون ومجزيون بما
فعلنا، وحديث: الكيس من دان نفسه، وقد يسمي يوم القيامة بيوم الدينونة
اشتقاقاً من الدين.
وثالثها: كلمة (أمّة) في القرآن الكريم، وقد وردت على أربعةِ أنحاءَ كما يلي:
·
تأتي أمة بمعنى جماعة، كما قال تعالى" منهم أمة مقتصدة"، وكما قال جل وعلا
"كذلك زينا لكل أمة عملهم"، وقوله "لكل أمة أجل"، وفي قوله "ومن قوم موسى
أمة يهدون بالحق"، وقوله"وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم"،
وقوله "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون"، وغيرها.
· وأمة
بمعنى القدوةُ المتبِع أو بمعنى المطيع، كما قال جل وعلا "إن إبراهيم كان
أمة"، ولا أعلم لها ثانياً، فمن زادني فله الفضل والشكر.
· وأمة بمعنى
الأمد أو الفترة من الزمن أو الحين من الدهر، كما قال تعالى "وقال الذي نجا
منهما وادكر بعد أمة"، وكما في قوله تعالى "ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى
أمة معدودة ليقولن الذين كفروا ..."
· وتأتي أمة بمعنى ملةٍ ودين أو سنة وطريقة، كما قال تعالى "إنا وجدنا آباءنا على أمة"، وكما قال "وإن هذه أمتكم أمة واحدة"