بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
التفكر بالموت :
أيها الأخوة الكرام ، اخترت لكم موضوعاً يحتاجه كل منا ، ألا وهو التفكر بالموت لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللّذّاتِ)) .
[ البزار عن أنس ] .
(( عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به )) .
[ أخرجه الشيرازي ، و الحاكم ، والبيهقي ، عن علي ] .
(( وإن أكيسكم أكثركم للموت ذكراً ، و أحزمكم أشدكم استعداداً له ، ألا و إن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور ، و الإنابة إلى دار الخلود ، و التزود لسكنى القبور ، و التأهب ليوم النشور )).
[ورد في الأثر ] .
الفرق الصارخ بين العقلاء وبين الأغبياء أن العقلاء يعيشون المستقبل ، والأغبياء يعيشون الماضي ، يتغنى بماضيه ، اجلس مع إنسان يحدثك لساعات طويلة ، كيف كان شاباً ، وأين سافر ، و وماذا فعل ، وكيف تزوج زوجته ، وكيف أنجب أولاده ، أشياء كلها وقعت لكن الحديث الخطير الذي تنهد له الجبال مغادرة الدنيا ، هل فكر في المستقبل ؟ هل فكر في الانتقال من بيت إلى قبر ؟ هل سأل ماذا بعد الموت ؟ ما مصيري بعد الموت ؟
من أراد أن يقنع الطرف الآخر أن الدّين حقّ فينبغي أن يتفوق :
لذلك أيها الأخوة ، من أجمل ما قرأت عن تعريفات العقل أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه . سألوا طالباً نال الدرجة الأولى في الشهادة الثانوية ، ما الذي حملك على هذا التفوق ؟ قال : لأن لحظة الامتحان لم تغادر ذهني أبداً ، عاش العام الدراسي ، عاش مع الامتحان ، أقول لكم أيها الأخوة ، يمكن أن تدرس ، وأن تنال شهادة عالية ، وأن تؤسس معملاً ، وأن تتزوج ، وأن تنجب أولاداً ، وأن تبني بيتاً ، كل هذا مسموح به وفق طبيعة الحياة ، لكن التفكر بالموت يمنعك أن تعصي الله ، والتفكر بالموت يسرع الخطا إلى الله ، له وظيفتان ، تسريع الخطا إلى الله والبعد عن معصية الله ، هذه مهمة الموت ، ادرس ، انجح في تجارتك ، وفي صناعتك ، وفي وظيفتك ، وفي حرفتك ، وفي بيتك ، وفي زواجك ، هذا شيء مطلوب ، لكن الذي يتفكر بالموت يبتعد عن معصية الله ويسرع في خطاه إلى الله ، مرة كنت في مطار هناك مسافة طويلة جداً ، سرنا على شريط متحرك ، له حاجزان يمنة ويسرة، سبحان الله وجدت هذا الشريط المتحرك والحاجزين يشبهان التفكر بالموت ، إن وقفت على هذا الشريط فأنت تمشي ، وإن مشيت عليه ضاعفت السرعة ، التفكر بالموت يسرع بك الخطا إلى الله ، والحاجزان يمنعان أن تعصيه يمنة ويسرة .
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف )) .
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة ] .
لا تكن ضعيفاً كن قوياً ، كن قوياً بعلمك ، كن قوياً باختصاصك ، كن قوياً بحرفتك ، وأقول لكم هذه الكلمة وصدقوا ولا أبالغ : الطرف الآخر أو أعداء الدين أو غير المؤمنين لا يحترمون دينك إلا إذا كنت متفوقاً في دنياك ، فمن أجل أن تقنع الآخر أن الدين حق ينبغي أن تتفوق .
هناك قصة قصيرة ؛ شاب في المرحلة الإعدادية التحق بالمسجد ، يبدو أن أباه غير موافق على التحاقه بالمسجد ، فكان يعنفه كثيراً ، ويحاسبه كثيراً ، لكن أمه كانت تدفعه إلى هذا المسجد ، فنشب صراع بين الأم والأب ، الأم تدفعه والأب يمنعه ، الذي حصل أنه نال مجموعاً عالياً جداً في الشهادة الثانوية ، أي أتيح له أن يكون طبيباً ، فأبوه قال له بعد نجاحه : خذ أخاك معك إلى المسجد ، قنع الأب أنه ما دام هناك تفوق ، و وعي ، فعليه أن يأتي أخوه معه إلى المسجد ، فجاء هو مع أخيه .
التفكر بالموت يُسرِّع الخطا إلى الله ويمنع الإنسان من الخروج عن منهج الله :
أقول لكم هذه الكلمة هي صح أو غلط هذا موضوع ثان ، لكن هذا الواقع ، لا يحترم دينك إلا إذا تفوقت في دنياك ، أحياناً يكون طبيب جراح من الطراز الأول ، عندما يصلي بالمستشفى كل من في المستشفى يحترمون الصلاة ، هذا طبيب جراح متفوق ، والإنسان كلما علا منصبه ، أو علا علمه ، أو علت مرتبته ، وصلى تحترم الصلاة من أجله، أما المقصر لو صلى لا يعجبون بصلاته أبداً ، لذلك الحقيقة المؤلمة جداً أن الغرب إذا رآنا متخلفين ولو نجح خطابنا الديني لا يعبؤون به ، فالتخلف في المقياس المعاصر ، ارتفاع نسب البطالة ، ارتفاع الأمية ، ارتفاع نسب الفقراء ، ارتفاع العنوسة ، نستورد ولا نصدر ، بأسنا بيننا ، سلمنا لأعدائنا ، هذه مظاهر التخلف المعاصرة ، فأنا أقول لكم والحقيقة مؤلمة جداً : حينما يرى الآخر ، الغرب ، أعداء الدين ، يرون المجتمعات الإسلامية متخلفة ، لو نجح خطابنا الديني لا يعبؤون به ، فلذلك التفكر بالموت يسرع الخطا إلى الله ، ويمنعك أن تخرج عن منهج الله ، كهذا الشريط المتحرك بالمطار ، تقف عليه و أنت ماشٍ ، تمشي عليه السرعة مضاعفة ، حاجز يمنة وحاجز يسرة يمنعانك أن تنحرف ، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللّذّاتِ)) .
[ البزار عن أنس ] .
بطولة الإنسان أن يعد عمره عدّاً تنازلياً لا عدّاً تصاعدياً :
قل كم بقي لي ؟ البطولة لا أن تعد عمرك عدّاً تصاعدياً ولكن عدّ عمرك عدّاً تنازلياً ، كما لو سافرت إلى حمص مثلاً بعد أن تخرج من دمشق بقي مئة وأربعون كيلو متر، بعد مرحلة مئة وعشرون ، مئة ، ثمانون ، ستون ، أربعون ، ثلاثون ، عشرون ، عشرة ، خمسة ، حمص ترحب بكم ، أليس كذلك ؟ فالبطولة أن تعد العمر عدّاً تنازلياً ، لا تقل كم بلغت من العمر ؟ قل : كم بقي لي ؟ والحقيقة الدقيقة الإنسان لو كان عمره أربعين أو خمسين أو ستين هناك سؤال محرج هذه السنوات الستون كيف مضت ؟ كلمح البصر ، في الأعم الأغلب كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : معترك المنايا بين الستين والسبعين .
فإنسان إذا بلغ الستين في الأعم الأغلب يموت بالسبعين أو بالثمانين ، نقول : ما شاء الله ، معمر ، بالثمانين ، الآن هناك من يموت بالخامسة والستين ، وهناك من يموت بالستين ، و الثامنة و الخمسين ، والسابعة والأربعين ، و الثامنة والعشرين ، أحد الأخوة الكرام قال لي : صديقي ابنته عمرها ثلاثة أشهر ، ابنه خمس سنوات ، شاب في الأربعين أصابه احتشاء فتوفي ، عمره أربعون سنة ، إنسان بثانية يصبح خبراً على الجدران .
بطولة الإنسان أن يعد لساعة الموت التي لابدّ منها :
أيها الأخوة الكرام ، الذكاء والبطولة والتوفيق أن تعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، إنسان يدخل إلى بيته ، هناك غرفة جلوس ، وغرفة ضيوف ، وغرفة نوم ، ومطبخ ، وحمام ، و طعام ، و زوجة ، و أولاد ، و نزهة ، انظر إلى القبر ، بلاط ؟ على التراب ، هناك إضاءة ؟ حينما يوضع الميت وتوضع الحجرة التي تغطي هذه الفتحة ويهال التراب ويقال التعزية في المكان الفلاني ، الجميع تركوا وعادوا ، هذا مع من بقي ؟
يروى أن إنساناً من أثرياء مصر الكبار توفاه الله ، ويبدو أنه لم يكن كما ينبغي ، وأولاده يعلمون ذلك ، فبلغهم أن أصعب ليلة في القبر هي الليلة الأولى ، ورد في بعض الآثار : " أن عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت " .
فطلبوا من إنسان فقير يكاد يموت من الجوع أن ينام مع أبيهم في هذه الليلة ، وأعطوه عشرة جنيهات ـ هذه قصة رمزية ـ هذا الإنسان من شدة فقره جاء بكيس خيش فتحه من الأعلى وأظهر رأسه منه ، ثم فتحه من الطرفين ليدخل يديه ثم ربطه بحبلة ونام مع أبيهم ، جاء الملكان فقال أحدهما للآخر : عجيب هناك اثنان ، ولا مرة شاهدنا هذه الحالة ، هذا الرجل خاف فحرك رجله ، فقال أحد الملكين تعال نبدأ به ، فأجلسوه ، لا يوجد عنده غير كيس خيش وحبلة ، الحبلة من أين جئت بها ؟ قال لهم : من البستان ، كيف دخلت إلى البستان؟ لم يعرف الإجابة ، فقتلوه قتلاً شديداً ، ما يزال عند الحبلة ، البستان ، كيف دخلت ؟ هذا صباحاً خرج من القبر فشاهده أولاد المتوفى ، فقال لهم : أعان الله والدكم .
من فكر بهذه الساعة ؟ يقول لك : أنا واقعي ، خير إن شاء الله ، هل هناك من حدث في حياة الإنسان أكثر واقعية من الموت ؟ هناك أشياء ، مرض عضال ، ليس كل إنسان يصاب بهذا المرض ، هذا المرض ليس واقعياً للكل ، لبعض الناس ، لكن الحدث الواقعي الذي لا يستثني أحداً من بني البشر هو الموت ، من أعدّ لهذه الساعة عدتها ؟ والله مرة جلست مع إنسان حدثني عن عشرين سنة قادمة وفي اليوم نفسه قرأت نعوته .
مرة قال لي إنسان جالس في مكان ينتظر طبيباً ، اثنان يتحدثان قال الأول للثاني: حيرنا هذا البيت بكسوته ، من سنتين ونحن نجهد في إنهاء هذه الكسوة ، وصلنا إلى التدفئة يا ترى خارجية أم داخلية ؟ سأل فقيل له : الخارجي فعال أكثر ، وإصلاحه سهل ، لكن منظره غير جميل ، لكن الداخلي لا يظهر ، فإن حصل فساد في الأنابيب لا بد من تكسير البلاط ، أقسم لي بالله ستة أشهر وهو في حيرة هل يعمل التدفئة داخلية أم خارجية ؟ ثم أخذ قراراً بأن تكون التدفئة داخلية وإذا فسدت يجري تمديداً جديداً خارجياً ، وقد يكون قد نسج كفنه وهو لا يدري .
الموت أخطر حدث في حياة الإنسان :
أيها الأخوة الكرام ، ما من موضوع أخطر من الموت ، وهذا الموضوع يحتاجه كل إنسان ، في أي عمر من أعمار البشر ، لكن الإنسان كلما طال عمره اقترب أجله ، أنا أرى ـ وهذا اجتهاد شخصي مني ـ الإنسان بعد سن الأربعين أو الخمسين يضعف بصره فيحتاج إلى نظارة ، يصلح أسنانه ، يشعر بألم في ظهره ، عنده أسيد أوريك مرتفع زيادة ، عنده قصور في جهاز الإفراز مثلاً ، عنده تضخم بالقلب قليلاً ، هذه الأعراض الصحية السلبية لكل إنسان تجاوز الستين أنا أراها والله رسائل من الله لطيفة جداً ، أن يا عبدي قد اقترب اللقاء ، فهل أنت مستعد له ؟ كنت أدرس في ثانوية في هذه البلدة ، تقطع الكهرباء الساعة الثانية عشرة ، لكن قبل خمس دقائق تقطع لثوان ، أي هيئ حالك بعد خمس دقائق هناك قطع كهرباء ، إشارة لطيفة ، تطفئ لثانية معنى هذا أنه بعد خمس دقائق ستقطع الكهرباء فإن كنت مضطراً للسهر فهيئ وسيلة إضاءة من بيتك ، أنا أقول : الشيب رسالة من الله ، ضعف البصر رسالة من الله ، تبديل الأسنان رسالة من الله ، بعض الآلام في المعدة رسالة من الله ، ضعف في الكليتين رسالة من الله ، كل هذه الرسائل مفادها أن يا عبدي قد اقترب اللقاء ، فهل أنت مستعد له ؟ صدقوا ولا أبالغ مرة شيعنا أحد أخواننا الكرام ، فعندما وضع في القبر كشف عن وجهه ، ثم وضعت البلاطة ، وأهيل التراب ، والله الذي لا إله إلا هو ما وجدت على ظهر الأرض إنساناً أذكى ولا أعقل ممن يعمل لهذه الساعة ، كل ذكائك ، بطولتك ، تفوقك ، حكمتك ، نجاحك ، أن تعمل لهذه الساعة .
الموت هو الواعظ الصامت :
أحد العلماء الكبار الصالحين اشترى قبراً قبل وفاته بخمس سنوات ، وكل خميس يزور قرره ، يقول لمرافقه : يا بني هنا المصير ، مكتوب هذا القبر للشيخ الفلاني الذي توفاه الله ، يوجد نقطتان فارغ ، كل خميس يزور هذا القبر ، والله يا أخوان أنا أنصحكم ، أدخل الموت في حسابك ولو كنت شاباً ، أي استعد للموت بالعمل الصالح ، بطاعة الله ، بأداء العبادات ، بقيام الليل ، بقراءة القرآن الكريم ، بإنفاق المال ، استعد للموت والحياة تغدو جنة والله ، تغدو جنة ، هذا الموت الواعظ الصامت ، والذي يحصل أن كل الناس إذا توفي أحد أقربائهم يتعظون لكن اتعاظهم آني ، أثناء التعزية تنشأ موعظة ، وبعد مضي خمسة أيام يعودوا إلى ما كانوا عليه ، معنى ذلك أنت بحاجة لا إلى وفاة من قريب من أجل أن تتعظ أنت بحاجة إلى منبه نوبي ، هناك منبه غير نوبي ، الإنسان أحياناً كل ست أو سبع سنوات يموت أحد أقاربه فيحضر الجنازة ، أنت بحاجة إلى تنبيه يومي ، من هنا جاء الحديث الشريف :
(( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللّذّاتِ)) .
[ البزار عن أنس ] .
مشتت الجماعات ، مفرق الأحباب .
(( عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به )) .
[ أخرجه الشيرازي و الحاكم والبيهقي عن علي ] .
الوقت أثمن من المال عند كل إنسان :
أيها الأخوة الكرام ، كلام دقيق جداً لا سمح الله ولا قدر لو أن إنساناً أصابه الله لحكمة بالغة بمرض عضال ، يمكن أن يكون هناك عملية جراحية لكنها غالية جداً ، بعض العمليات كزراعة الكبد تكلف من ستة ملايين إلى عشرة ملايين ، نجاح العملية ثلاثون بالمئة، فلو أن إنساناً لا سمح الله ولا قدر أصيب بتشمع كبد ، فموته محقق ، عنده بيت ثمنه عشرة ملايين ، باعه وأجرى هذه العملية ، ماذا نستنبط من هذا السلوك ؟ هناك مال ، وهناك وقت ، أيهما أغلى عنده ؟ الوقت ، لأنه ضحى بالمال كله من أجل أن يعيش بضع سنوات ، من دون عملية ميت ، بالعملية يعيش سنتين ، ثلاثة ، ستة أشهر ، ثمانية أشهر ، ضحى بكل ما يملك من أجل بضع سنوات ، فالمال أقل من الوقت عند الإنسان ، والوقت أثمن من المال ، بربكم لو جاء إنسان وقف هنا ، وأمسك خمسمئة ألف ليرة وأحضر وعاء وأحرقها أمامكم ، بماذا تحكمون عليه ؟ بالجنون ، هناك عبارة ألطف تنعته بالسفه ، هذا سفيه ، فإذا كان الوقت أغلى من المال ، فإتلاف الوقت ماذا تعدونه ؟ يلعب طاولة ماذا يفعل ؟ يتلف وقته ، هذا وقت ، يقول أحدهم : سهرت للساعة الثانية وغلبته ثلاث مرات ، خير إن شاء الله ، ما هذه الشطارة؟ أي جلسة فيها استهلاك للوقت ، لعب نرد ، طاولة ، شدة ، برسيس ، ماذا فعلت ؟
إذاً الحديث عن الطعام ، أو عن النساء والعياذ بالله ، أو عن الأسعار ، أو عن البيوت ، أو عن السيارات ، هذا كلام فارغ لا يقدم ولا يؤخر :
(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً )) .
[ أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
(( مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ )).
[ أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه :
أيها الأخوة الكرام ، التفكر بالموت سلوك يومي ، وقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يضطجع على جنبه الأيمن بين السنة والفرض في صلاة الفجر ، ويذكر الموت :
(( أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللّذّاتِ)) .
[ البزار عن أنس ] .
الذي باع بيته ليجري عملية جراحية يتوهم من خلالها أنه سيعيش بعدها بضع سنوات ، عنده قطعاً أن المال أقل قيمة من الوقت ، فإذا أتلف إنسان ماله يعد مجنوناً ، فإذا أتلف وقته ؟ مرّ أحد العلماء بمقهى (عالم كبير الشيخ بدر الدين الحسني) وجد أناساً يلعبون النرد قال : يا سبحان الله لو أن الوقت يشترى من هؤلاء لاشتريناه منهم .
ببعض القرى أمام البيت يوجد مسطبة يجلس صاحب البيت عليها ، و كلما مرّ شخص ينظر فيه ، يمر الثاني ينظر إليه ، يا أخوان أنت وقت ، أنت بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه .
أنت وقت انتبه إلى قيمة الوقت ، الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، لذلك التفكر بالموت مهم جداً .
مثل آخر ، هذا مثل افتراضي لو أن بلداً نظام الإيجار فيه أن المستأجر بأية لحظة يريد صاحب البيت بيته يخرج من البيت بثيابه فقط ، اشترى ثريات ، اشترى غرفة نوم ، غرفة جلوس ، أجهزة كهربائية ، كلها اشتراها بماله ، نظام الإيجار الساعة الثالثة والنصف ليلاً أمر صاحب البيت الأصلي أن تخرج ، اخرج بثيابك فقط ، بربكم إن وجد نظام كهذا النظام ، ولك دخل كبير ، هل من الممكن أن تجعل كل دخلك بهذا البيت ؟ ثريات من الطراز الأول ، سجاد ، غرف ضيوف ، غرف نوم ، أجهزة كهربائية ، بأية لحظة كل هذه الحاجات ليست لك تتركها وتمشي ، لك بيت بمنطقة بعيدة يحتاج إلى إكساء ، هذا المال الذي معك اكسُ به ذلك البيت ، افرش به ذلك البيت ، هذا القبر ، الإنسان أحياناً يكسو بيته بالعمل الصالح .
يا كييس إن لك قريناً تدفن معه وأنت حي ، ويدفن معك وأنت ميت ، فإن كان كريماً أكرمك ، وإن كان لئيماً أسلمك ، ألا وهو عملك .
على الإنسان أن يتكيف مع أخطر حدث مستقبلي ألا وهو الموت :
الميت يوضع في النعش تسير الجنازة ، من يمشي في الجنازة ؟ أولاده ، أخوته ، أقاربه ، أعمامه ، أصهاره إلى آخره ، أما النساء في البيت ، هناك جهة تمشي معك إلى القبر و جهة تبقى في البيت ، فعندما توضع في القبر يغلق عليك ، أعرف ميتاً هناك قصص عنه تفوق حدّ الخيال ، عنده أذواق في بيته ، عنده اهتمام بالنظافة ، شيء غير معقول إطلاقاً ، بيته ، أجهزته ، حاجاته ، مات ، وأنا كنت حاضر الموت ، و إذ بالبلاطة أقصر من الفتحة بعشرة سنتمتر ، فالحفار وضع أحجاراً لا على التعيين وعندما ردم التراب نزل فوق وجهه ما يقارب الكيليين ، هذه الفتحة عند وجهه تماماً لم يغطيها تغطية كاملة بل وضع أحجار وأهال التراب ، قلت : سبحان الله كل هذه الأناقة والذوق والنظافة في بيته ، هذا المصير .
أنا أقول عش المستقبل تكن أعقل الناس ، وعلمونا في الجامعة أن الذكاء هو التكيف ، والتكيف مع أخطر حدث مستقبلي ألا وهو الموت ، لذلك التفكر مهم جداً .
الآن دخلنا بموضوع آخر ، أنت في الأصل بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك ، السورة المشهورة :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ * ﴾ .
( سورة العصر )
أنت خاسر لا محالة لأن مضي الوقت يستهلكك ، كلنا نعيش ، كنا بالخمسينات ، ثم الستينات ، فالسبعينات ، فالثمانينات ، فالتسعينات ، فالألفين ، الآن ألفان وعشرة ، من أسبوع لأسبوع ، من شهر إلى شهر ، والعمر يمضي سريعاً ، الدنيا ساعة ، اجعلها طاعة ، والنفس طماعة ، عودها القناعة .
المؤمن المستقيم لا يفاجأ بالموت :
أيها الأخوة الكرام ، التفكر بالموت أنصحكم وأنصح نفسي والله أن يكون يومياً ، التفكر بالموت يجعلك تنضبط ، النبي عليه الصلاة والسلام قال : " صلِّ صلاة مودع ". اجعل كل صلاة آخر صلاة ، أنا منذ سنتين أو ثلاثة أخوة كرام والله أحبهم وأجلّهم لا يشكون شيئاً إطلاقاً ، أحد أخواننا الكرام صلى الظهر ، إمام العصر صلى عليه في الجامع نفسه ووري التراب ، هناك حالات كثيرة جداً في اليوم نفسه توفاه الله ، كان شخصاً أصبح خبراً ، فالمستقيم لا يفاجأ بالموت ، أنا علمت أخواننا الأكارم تاريخ سبعين صحابياً ، القاسم المشترك الوحيد بينهم جميعاً أنهم كانوا في ساعة مغادرتهم للدنيا أسعد الناس جميعاً ، هذا الصحابي في أسعد لحظات حياته عند موته ، سيدنا بلال قالت له ابنته : وا كربتاه يا أبتِ ، قال : لا كرب على أبيك بعد اليوم ، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه .
مرة كنت بتركيا أعطوني كتاباً باللغة العربية عن كمال أتاتورك ، قرأته فإذا فيه قصة تأثرت فيها كثيراً ، عالم كبير من علماء تركيا ألّف كتيباً صغيراً عن ضرورة عدم تقليد الأجانب في ثيابهم ، الكتاب أخذ موافقة على تأليفه ، وموافقة على طبعه ، وعنده موافقة ثالثة على التداول ، الكتاب قديم ، كمال أتاتورك أصدر قراراً بمنع اللباس الإسلامي كلياً ، فهذا الكتاب يتناقض مع قراره ، فجاء بالمؤلف ووضعه في السجن ، رجل وقور وفقير ، ما بيده حيلة ، فكتب مذكرة ، يقول جاره في السجن : كتب ثمانين صفحة ، و في يوم من الأيام استيقظ في حالة من الفرح لا تصدق ، متألق ، مرتاح ، وأمسك هذه المذكرة ، ومزقها ، عمل شهرين ، فسأله لماذا فعلت هذا ؟ فقال له : رأيت رسول الله ، قال لي : أنت ضيفنا غداً .
في اليوم الثاني شنقوه ، يبدو أن الله عز وجل أكرمه بهذه البشارة ، قال له : رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ضيفنا غداً ، يقول هذا الصديق : ما رأيت بحياتي حالة من السعادة كهذه الحالة ، وصدق المؤمن الصادق المستقيم الذي قضى حياته في طاعة الله ، وفي العمل الصالح ، والله لا أبالغ يمكن ساعة وفاته أسعد ساعة بحياته .
المؤمن الصادق أسعد لحظات حياته على الإطلاق عند مغادرة الدنيا :
أنا أحياناً أسمع من بعض الأخوة يكون أباً صالحاً يأتيه ملك الموت بشكل أعز الناس عليه ، يا بني جاء عمكم ، ألا تعرفون عمكم ؟ لماذا لا تسلمون عليه ؟ لا يوجد أحد لكن ملك الموت جاء بشكل أخ له يحبه كثيراً و قد توفاه الله ، يأتي ملك الموت بأحب الأشخاص إليك ، والموت لحظة ، في بعض الأحاديث أن المؤمن يرى مقامه عند الله ، يعرق خجلاً من الله عز وجل :
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾
( سورة يس: 26-27)
المؤمن الصادق عند مغادرة الدنيا في أسعد لحظات حياته على الإطلاق ، والله هناك أشخاص صالحون يموت ليلة القدر وهو يقرأ القرآن الكريم ، منذ فترة في الشام عالم جليل توفي في المسجد يستمع إلى الخطبة ، الشيخ يقول : أستاذنا الجليل موجود معنا الآن نسأله ، جالس أمامه قلب ومات ، في صلاة الجمعة في المسجد .
وهناك إنسان ادعى أنه نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في شرق آسيا ، فمات في المرحاض ، طريقة الموت تلخص حياة الإنسان .
أيها الأخوة ، أرجو الله عز وجل أن نتفكر بالموت كل يوم ، التفكر بالموت كهذا الشريط المتحرك في المطار يسرع بك الخطا إلى الله ، وهناك حاجز عن يمينك وحاجز عن يسارك ، حاجز يمنعك أن تعصي الله ، اشتغل ، ادرس ، خذ دكتوراه ، أسس مشروعاً ، وكن الأول في اختصاصك هذا مطلوب للمؤمن لأن :
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف )) .
[أخرجه مسلم عن أبي هريرة ] .
لكن مستقيم .
والحمد لله رب العالمين
لا تقل لى شكراااااا ولكن ارجو الدعااااااااء لى ولوالدى
الموضوع : الموت !!!!!!!! المصدر : مسجد الهدي المحمدي الكاتب: Yahia