كيف تتذوق حلاوة الإيمان؟
الإيمان هو قول وتصديق وعمل، قول يعلن به المؤمن ويظهر كلمة التوحيد، بأن يشهد (ألا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله)، وهي شهادة بمنزلة العقد الذي يبرمه العبد مع ربه، عقد بأن لا يعبد إلا الله سبحانه، ولا يتبع في العبادة إلا محمدا صلى الله عليه وسلم، وتصديق هذا القول أن يعتقد ويؤمن ويجزم العبد بقلبه ما نطق به لسانه، ويأتي عمل الجوارح لتصديق ما نطق به اللسان واعتقده القلب، فان كان اللسان صادقا والقلب معتقدا ظهر أثر ذلك على الجوارح فتنقاد جوارح المرء للعمل، ولهذا عرف أهل السنة والجماعة الإيمان بأنه: قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
والإيمان مجموعة من الشعب ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الإيمان بضع وستون شعبة) في رواية البخاري، و(بضع وسبعون شعبة) في رواية مسلم، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم: (أعلاها شهادة ألا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، وقالوالحياء شعبة من الإيمان) وهذه الشعب لم يرد حصرها ولكن اجتهد العلماء في إيضاحها من الكتاب والسنة وقد ذكر الإمام ابن حجر في تفسير هذا الحديث أنها 7 شعب باللسان و 24 بالقلب و 36 بالجوارح، وكلها يدخل في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حلاوة الإيمان:
والمتفق عليه أنه لا حياة للإنسان ولا سعادة ولا فلاح في الدنيا والآخرة إلا بالإيمان، وأن الإيمان له طعم، بينه الحديث الذي رواه مسلم عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً) وفي رواية ثانية ذاق حلاوة الإيمان) وورد في حديث آخر: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان).
والرضا بالله ربًّا يعني الدخول في العبودية طوعا، والالتزام بشريعته التي أنزلها، التزام يعبر عن الرضا النفسي والعملي، رضا نفسي يعبر عنه الإيمان، ورضا عملي تعبر عنه الأعمال، رضا بالله يجب كل رضا عداه، فلا يعمل العبد إلا ما يرضيه سبحانه وتعالى، ويرضى به على العبد، كما قال سبحانه في وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم ورضوا عنه)، والرضا بالله يغني عن كل رضا، فيصبح لا همّ للمرؤ غير إرضاء الله سبحانه، لا أن يرضي الناس، وأن يرضى عنه الله لا أن يرضى عنه الناس قال القاضي عياض: معنى الحديث: صح إيمانه واطمأنت نفسه وخلص باطنه.
والرضا بالإسلام لا شك جزء من الرضا بالله تعالى، والمعنى أن يرضى العبد بالدين الذي ارتضاه الله سبحانه لنا، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) والرضا بأنه هو الطريق الوحيد لنيل رضا الله سبحانه وبالتالي نيل الجنة والفضل العظيم منه عز وجل، ولا شك أن الرضا بالدين الذي ارتضاه الله لنا هو علامة الرضا بالله ربا، فلا يصح القول بالرضا بالله بعيدا عن الالتزام بدين الله.
والرضا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً لا شك أيضا في أنه جزء من الرضا بالله تعالى، وهو نتيجة طبيعية للرضا بالله، وبالرضا بدينه الذي هو الإسلام، فهو رسول الله الذي حمل إلينا أمانة التعريف بالله وبدينه، وبما يرضيه عز وجل وبما يسخطه، وله علينا حق الطاعة،وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )، وحق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته التعزير والتوقير، كما قال تعالى لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)، ولا تعزير ولا توقير إلا بالالتزام بهديه، ورضا النفس والتسليم بكل ما يقضي به، والالتزام بما أمرنا به والانتهاء عما نهانا عنه ..وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً )، ولا يكتمل إيمان المسلم حتى يحتكم إلى سنة نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)، ولذلك كان الجمع بين الإيمان بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا هو جمع بين ما لا يمكن التفريق بينهم، فكل رضا يفضي إلى الرضا الذي يليه، وكل رضا يدل على الرضا الآخر، فلا رضا بالله ربا بغير الرضا بالإسلام دينا، ولا رضا بالإسلام دينا بغير الرضا برسول الإسلام نبيا ورسولا من عند الله.
مظاهر حلاوة الإيمان:
وطعم الإيمان لا يتغير ولا مذاق له إلا الحلاوة، وحلاوة الإيمان يتذوقها من كان أهلاً لذلك، وهي حلاوة لا تدرك بغير صفات حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء، لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)، ذلك أنه رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا فكان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأصبح لا يفعل شيئا إلا بحثا عن مرضاة الله ورسوله فلا يحب العبد إلا في الله ويكره أن يعود إلى الكفر بعد أن ذاق طعم الإيمان بالله وبدينه وبرسوله.
ويجد المؤمن حلاوة طعم الإيمان في الحياة الطيبة، التي تكتب له بإيمانه ويحصلها بقوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)، وهي إحدى ثمرات حلاوة الإيمان وطعمه في الحياة الدنيا، ويجد المؤمن طعم الإيمان في اطمئنان القلب الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، فاطمئنان القلب من حلاوة الإيمان التي إذا خالطت بشاشة القلوب تجعل صاحبها مع الله سبحانه في كل وقت وحين، في حركات العبد وسكناته، في ليله ونهاره، مع الله خالقه وبارئه وموجده وناصره، ولذلك أمرنا رسولنا أن نقول دائمًا رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا اللهم إنا نشهدك أنا رضينا بك ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا)، ويحس المؤمن طعم الإيمان في رعاية الله له وهدايته إلى الصراط المستقيم وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، وتلك أحلى ثمرات حلاوة الإيمان.
ومتى ظفر العبد بهذه الهداية سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يشبه نعيمها إلا نعيم جنة الآخرة, فانه لا يزال راضيا عن ربه, والرضا جنة الدنيا، ومستراح العارفين, فانه طيب النفس بما يجري عليها من المقادير التي هي عين اختيار الله له, وطمأنينته إلى أحكامه الدينية, وهذا هو الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، وما ذاق طعم الإيمان من لم يحصل له ذلك، وهذا الرضا هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسن اختياره, فكلما كان بذلك كان به أرضى فقضاء الرب سبحانه في عبده دائر بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة, لا يخرج عن ذلك البتة كما قال صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور اللهم إني عبدك, ابن عبدك, ابن أمتك, ناصيتي بيدك, ماض فيّ حكمك, عدل في قضاؤك, أسألك بكل اسم هو لك, سميت به نفسك, أو أنزلته في كتابك, أو علّمته أحدا من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك, أن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري, وجلاء حزني, وذهاب همي وغمي, ما قالها أحد قط إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرجا قالوا: أفلا نتعلمهن يا رسول الله؟ قال: بلى ينبغي لمن يسمعهن أن يتعلمهن).
والمقصود من قوله عدل فيّ قضاؤك, وهذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده من عقوبة أو ألم وسبب ذلك, فهو الذي قضى بالسبب وقضى بالمسبب وهو عدل في هذا القضاء وهذا القضاء خير للمؤمن كم قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له, وليس ذلك إلا للمؤمن).
الموضوع : كيف تتذوق حلاوة الإيمان؟ المصدر : مسجد الهدي المحمدي الكاتب: Yahia