..:: اقبل معاذير من يأتيك معتذرا::..
وهي قاعدة مرتبطة بقاعدة العفو والصفح ، ولكن لها خصوصيتها التي جعلت من المستحسن إفرادها كقاعدة من قواعد التعامل مع الناس . وهذه الخصوصية هي أن يطلب المخطئ العفو، ويرجو ممن أساء إليه الصفح، ويقدم اعتذاره وانكساره واعترافه بزلته، وربما يتعهد بعدم العودة إليها. أما العفو فيمكن أن يكون دون أن يطلب المخطئ الصفح ممن أساء إليه .
إن قبول اعتذار المعتذر خلق كريم يدل على فضل صاحبه وعلو شأنه، ولا يليق بالمسلم أن يرد هذا الاعتذار ويرفض ذلك الانكسار، لا سيَّما إذا جاءه المعتذر إلى بيته أو مجلسه أو إلى مقر عمله أو شفع له بعض الكرام من أهل العلم والدين والمروءة والوجاهة وكبر السن .
إن أصعب شيء على نفوس الناس أن يتوقعوا الخير أو يرجوه من إنسان ثم يفاجئهم بخلاف ذلك، فتنكسر قلوبهم، وتسود الدنيا أمامهم. ولقد اعتاد الناس أن يصفوا من يرد اعتذار المعتذر بالنذالة والخسة واللؤم وسوء الخلق، وغالباً ما يحجمون عن التعامل معه، ويصرمون علاقتهم به .
لقد ختم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله حياته بالعفو عن الجلاد الذي ألهب بالسياط ظهره ، وذلك عندما سمع الناس صائحاً ينادي خارج المنزل ويقول: يا أحمد، يا أحمد، فأوسعوا له حين استدعاه الإمام أحمد ، فإذا هو شيخ كبير ينشج نشيج النساء في لوعة وحرقة ويقول: لقد كنت ممن قام بتعذيبك في عهد المعتصم وإني لأرجو المعذرة. فيهز الموقف الإمام أحمد، وينسيه غمرات الموت، فيلتفت إلى الشيخ مخففاً عنه مستغفراً له عما اقترفت يداه، وهنا سأله ابنه عمن آذاه، ولماذا يستغفر لهم، فقال الإمام أحمد: يا بني (وليعفوا وليصفحوا) ماذا ينفعك أن يعذب أخوك بسببك ؟ وقد قال تعالى: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)، فإذا كانت القيامة، وجثت الأمم بين يدي الله رب العالمين، نودوا: ليقم من كان أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا، وإني لأرجو أن أكون واحداً منهم[1] .
وقيل للمهلب بن أبي صفرة: ما تقول في العفو والعقوبة ؟ قال: هما بمنزلة الجود والبخل فتمسك بأيهما شئت.
وروي أن الإمام الشافعي قال: "من استغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استرضي ولم يرض فهو شيطان"[2] .
وقال بعض أهل العلم: "الكريم من أوسع المغفرة إذا ضاقت بالذنب المعذرة" .
وقال آخر: "شفيع المذنب إقراره، وتوبته اعتذاره" .
ويقول الشاعر:
اقبل معاذير من يأتيك معتذراً إن برّ عندك فيما قال أو فجرا
فقد أطاعك من يرضيك ظاهره وقد أجلك من يعصيك مستترا
وقال بعض البلغاء: "من لم يقبل التوبة عظمت خطيئته، ومن لم يحسن إلى التائب قبحت إساءته". وقال بعض الحكماء:" من عاشر إخوانه بالمسامحة دامت له مودتهم".
وأكرم من قبول اعتذار المعتذر أن تعفو عنه وتصفح إذا جاءك معتذراً دون أن تلجئه إلى مزيد من الاعتذار أو تضطره إلى الكذب فيه حتى يرضيك، لذا يقول الشاعر:
العذر يلحقه التحريف والكذب وليس في غير ما يرضيك لي أرب
وقد أسأت فبالنعمى التي سلفت إلا مننت بعفو ما له سبب
ولكن بالرغم من ضرورة الصفح وقبول اعتذار المعتذر، إلا أنه لا ينبغي أن يكون ذلك في كل الأحوال، ومع كل الناس، إذ يمكن للمرء أحياناً أن لا يقبل الاعتذار وذلك إذا تيقن أن هذا القبول لا ينفع المعتذر ولا يؤدبه، أو إذا علم أن المعتذر يستخدم هذا الاعتذار من قبيل المراوغة والمخادعة والاستغفال والاستسهال. أما غير ذلك وفي غالب الأحوال والظروف، فإن الأولى بالمرء أن يسمو بنفسه فيقبل انكسار المنكسرين واعتذار المعتذرين...
الموضوع : اقبل معاذير من يأتيكـ معتذرا المصدر : مسجد الهدي المحمدي الكاتب: مصطفى احمد توقيع العضو/ه :مصطفى احمد |
|