السلفية صمام أمان( الجزء الثانى)
فالسلفية إذن منهج وطريق وسنة،
وليست فئة أو جماعة أو حزبًا، وقد كانت بعض الصحف والمجلات في الزمن البائد
والنظام الفاسد تجامل على حساب هؤلاء السلفيين، فكان كل من أراد أن يشتهر أو ينال
منصبًا أو دنيا؛ فقط يشتغل بذم السلفيين والتقليل من شأنهم والنَّيْل منهم، ومن
أعراضهم، حتى إن بعضهم كتب بعنوان: «السلفية خطر يهدد أمن الوطن»، وهؤلاء ليس لهم
بضاعة رائجة إلا الهجوم على هؤلاء الأخيار وعلى مظهرهم ورمز عفافهم وطهرهم .
لكن الأمور لا تسير دائمًا على وتيرة واحدة، فسبحان من يغيّر ولا يتغير، والأيام
يداولها الله تعالى بين الناس، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ
يَنْقَلِبُونَ» [الشعراء: 227].
وكان مما يردده هؤلاء المهاجمون أن السلفيين يثيرون الفتنة الطائفية، وأثبتت
الوقائع والواقع أثناء أحداث 25 يناير أن السلفيين صمام أمان للأمة، فلم يتعرضوا
لنصارى مصر بأدنى نوع من الإيذاء، بل على العكس، فقد كانوا يدافعون عنهم ويحمونهم
ويؤمنون كنائسهم وبيوتهم، كيف لا وهم يعيشون بيننا في عهدنا وأماننا؟ والمسلمون
ليسوا خونة حتى يخونوا الله والرسول ويخونوا أماناتهم وعهودهم, فلما حدثت أحداث في
إحدى القرى بين بعض المسلمين والنصارى، نفخ فيها النافخون، وأرجف لها المرجفون،
فسيّسوها ودوّلوها، ونسبوها أيضًا للسلفية .
لكن الله من ورائهم محيط، فإن المشكلة لم تُحَل إلا على أيدي السلفيين بفضل الله
سبحانه .
قدوة السلفيين:
إن السلفيين الذين هم أهل السنة والجماعة، يطمع الواحد فيهم في شفاعة حبيبهم محمد
صلى الله عليه وسلم، فكيف يتجرأ الواحد منهم على أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم
خصمه وحجيجه يوم القيامة؟ يحاجّه ويقيم عليه الحجة أنه أثم بظلمه للناس، يظهر ذلك
في حديث صفوان بن سليم الذي يرويه عن ثلاثين من أبناء الصحابة الكرام عن آبائهم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ظلم معاهدًا أو انتقصه، وكلفه فوق طاقته،
أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه؛ فأنا حجيجه يوم القيامة». [أخرجه أبو داود
3054 وصححه الألباني].
وزاد البيهقي: وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بإصبعه إلى صدره وهو يقول: «ألا
ومن قتل معاهِدًا له ذمة الله وذمة رسوله حرّم الله عليه ريح الجنة، وإن ريحها
لتوجد من مسيرة سبعين خريفًا» [البيهقي 18511].
فلا مفر لأهل السنة السلفيين من أن يقيموا الحق ويحكموا بالعدل ويكونوا رحمة للناس
كما كان نبيهم صلى الله عليه وسلم الذي قال الله له: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ
رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» [الأنبياء: 107]، وقد ظهر ذلك جليًا في أحداث الانفلات
الأمني، وفي غمرة أحداث 25 يناير حينما انبرى السلفيون يؤمِّنون الناس مسلمهم وغير
مسلمهم في بيوتهم ودور عبادتهم، بل ويؤمنون لهم الأمان الغذائي، بما كانوا يعلنونه
للناس من هدي سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم في منع
الاحتكار والاستغلال : «من احتكر فهو خاطئ». [متفق عليه].
وقد شارك السلفيين في ذلك جميع فئات ذلك الشعب المجيد، لكن توجيه هؤلاء الأخيار
النابع من معرفتهم بأمر ربهم وسنة نبيهم جعلتهم ينظمون تلك اللجان الشعبية
ويوزعونها على الأحياء والقرى والمدن.
فلم نسمع في تلك الفترة العصيبة عن قتل نصراني واحد، أو هدم كنيسة واحدة، مع ما
كان يعتري البلاد من غياب الأمن والشرطة وانتشار المنحرفين والبلطجية.
ولقد شهد العالم أجمع بره وفاجره بهذه المواقف الإيجابية النبيلة لهؤلاء السلفيين،
ومن قبلُ شهد أحد الغربيين «تريتون» لهذا المنهج السلفي فقال: «ولما تدانى أجل عمر
بن الخطاب أوصى من بعده وهو على فراش الموت بقوله: أوصي الخليفة من بعدي بأهل
الذمة خيرًا، وأن يوفي لهم بعهدهم، وألا يكلفهم فوق طاقتهم». وهذا حديث في البخاري
عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب.
صورة السلفيين:
هذه الصورة المشرفة الرائعة التي رأيناها للسلفيين، شهد بها غير المسلمين، والحق
ما شهد به الأعداء، هذه الصفحة الجميلة يرسمها لنا المستشرق الفرنسي «هنري سيروي»
في كتابه «فلسفة الفكر الإسلامي» فيقول: «محمد صلى الله عليه وسلم لم يغرس في نفوس
أتباعه مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيهم أيضًا المدنية والأدب».
حقًا والله، لقد ظهرت تلك المدنية وذلك الأدب الجم بوضوح شديد في سلوك المسلمين
نحو نصارى مصر، فلما ذهبنا ضمن مجموعة المشايخ والعلماء والدعاة إلى قرية «صول»
التابعة لمدينة أطفيح محافظة حلوان والتي جرى بها النزاع بين بعض المسلمين
والنصارى، استدعينا الأشد غضبًا من المسلمين للحوار معهم، فقال أحدهم وقد احمرت
وجنتاه من الغضب: «رغم ما أنا فيه من الهم والغم، فإنني والله قادم من بيتي وعازم
على أن كلام علمائنا ومشايخنا هو الفصل في المسألة؛ لأنهم لن يقولوا إلا بشرع
الله، ولن يحكموا إلا بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو أمرتموني يا
مشايخي أن أهدم بيتي وأبني مكانه كنيسة لفعلت». فقلنا: الله أكبر، هذا كلام ينبغي
أن يسجل ويُنشر؛ لأن هؤلاء هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذين كما علمهم
التوحيد وغرسه في نفوسهم؛ غرس فيهم المدنية والأدب؛ لأنهم ليسوا طلاب دنيا ولا
متعصبين بغير حق، وإنما تعلموا من نبيهم وإمامهم صلى الله عليه وسلم، الذي وصفته
الكاتبة الإنجليزية «إيفلين كوبولد» في كتابها «البحث عن الله» فقالت: «مع أن
محمدًا صلى الله عليه وسلم كان سيد الجزيرة العربية، فإنه لم يفكر يومًا في
الألقاب، ولا راح يعمل لاستثمارها، بل ظل على حاله مكتفيًا بأنه رسول الله، وأنه
خادم المسلمين، ينظّف بيته بنفسه، ويصلح حذاءه بيده، كريمًا بارًّا كأنه الريح
السارية، لا يقصده فقير أو بائس إلا تفضل عليه بما لديه، وما لديه كان في أكثر
الأحايين قليلاً لا يكاد يكفيه».
وللحديث بقية
الموضوع : السلفية صمام أمان المصدر : مسجد الهدي المحمدي الكاتب: على حسن عبد الهادى توقيع العضو/ه :على حسن عبد الهادى |
|