اللذة تابعة للمحبة>>>
لكن قبل أن نبدأ في شرح هذه المقولة، لابدّ من تمهيد، الإنسان له جانب عقلي، وجانب نفسي، وجانب مادي، فالمادي جسمه ؛ له قوانين، وله حاجات، والجانب العقلي عقله يحتاج إلى علم، والجانب النفسي أساسه الحب، هناك جانب علمي، جانب سلوكي، جانب جمالي، وإن صحّ أن نذكر أن الإنتاج العلمي والشعوري للبشرية، الإنتاج التي أنتجته البشرية علم، وفلسفة، وفن، فالعلم ما هو كائن، والفلسفة ما يجب أن تكون، والفن ما هو ممتع، فكل إنسان عنده جانب جمالي، والحقيقة العبادة التي خلقنا من أجلها هي طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
هناك جانب سلوكي طاعة طوعية، جانب علمي أساسها معرفة يقينية، جانب جمالي تفضي إلى سعادة أبدية، فالحاجة إلى الجمال حاجة أساسية في الإنسان لكن إذا استقام على أمر الله في أعلى مستوياتها.
الآن، لماذا النبي صلى الله عليه وسلم أسعد الناس ؟ لأن معرفته بالله أعظم معرفة، لو أتيح فرضاً لواحد منا أن يعرف ما عرفه النبي صلى الله عليه وسلم لكان سعيداً كسعادته، السعادة مرتبطة بالمعرفة، فلذلك: إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، العلم أساس السعادة.
ويأتى السؤال الاَن :::لماذا ترتبط السعاده بالمعرفه؟؟
..........................................................
شكل أو بآخر الإنسان حينما يعرف أن في هذا الشيء متعة بالغة ويناله يكون سبب المتعة البالغة معرفته، الله عز وجل قال:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46) ﴾
(سورة الكهف)
إنسان عنده أولاد ودخله قليل جداً يتمزق، أولاده أمامه يحبهم لا يملك ما يطعمهم، لا يملك ما يكسوهم، الآن مال من دون أولاد شيء مؤلم جداً، أموال طائلة، ملايين مملينة، لا يوجد ابن ينتفع بها أو يرثها، الذين ينجحون في الحياة ولم يرزقوا بالأولاد عندهم مشكلة كبيرة جداً، الله عز وجل قال:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46) ﴾
(سورة الكهف)
الآن دقق:
﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ (46) ﴾
(سورة الكهف)
الباقيات الصالحات عند بعض علماء التفسير: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
أي حينما تسبحه، وحينما تكبّره، وحينما تحمده، وحينما توحده، فأنت أسعد الناس، السعادة مرتبطة بالمعرفة
ولكن هل يوجد فرق بين اللذّه والسعاده؟؟
..............................................
اـ اللذة متناقصة مادية الطبع تأتي من الخارج:
لكن هنا في الفائدة جاءت كلمة اللذة، وأنا أحبّ أن أوضح الفرق بين اللذة والسعادة، أول شيء: اللذة حسية، أي تستمتع بطعام طيب، تستمتع بمكان جميل لذة، تستمتع بوجه طفل جميل لذة، اللذة حسية تحتاج إلى شيء مادي، تحتاج إلى شيء مادي ليس في داخلك يأتيك من الخارج، مكان جميل، وردة جميلة، طفل جميل، طعام طيب، منظر جميل، فكل شيء فيه جمال، الأشياء الجميلة أخذت من جمال الله مسحة، هناك طعام نفيس، و طعام وسط، و طعام خشن، هناك منظر جميل جداً، و منظر مزعج جداً، الجمال أشياء منحها الله عز وجل مسحة من جماله، فأنت إذا اتصلت بها نالتك لذة، فاللذة تأتي من الخارج وطابعها حسي، لكن أخطر ما في اللذة أنها متناقصة.
كل واحد منا يوم يشتري بيتاً أول أسبوع، أول شهر، يستمتع به استمتاعاً كبيراً، بعد ذلك أصبح البيت مألوفاً، يشتري مركبة أول أسبوع لا ينام الليل، بعد ذلك مألوف، كأن الله عز وجل أبى أن يسمح للدنيا أن تمد الإنسان بلذة مستمرة، مستحيل أن تمده بلذة متعاظمة، مستحيل أن تمده بلذة مستمرة، لكن الذي يحصل أن كل متع الدنيا تمد الإنسان بلذة متناقصة، تجد إنساناً ناجحاً جداً، واقتنى بيتاً كبيراً، وأثاثاً فخماً، وأنواعاً منوعة من الطعام والشراب تجده بحالة اسمها الملل، أكل لشبع، سافر لشبع، أي متعة مارسها بأعلى درجة، تجد هذه المتع لا تمده بلذة مستمرة ولا متعاظمة بل متناقصة.
إذاً اللذة طابعها حسي، واللذة تأتيك من خارجك، واللذة متناقصة، لو أن هذه اللذة في معصية كان معها كآبة، أتكلم عن لذائذ مشروعة، عن لذائذ مباحة، عن لذائذ مباحة، عن لذائذ لا ضير أن تأخذ منها، فإذا كانت هذه اللذة من محرم، من زنا مثلاً، من سرقة، كان معها كآبة كبيرة جداً، لذلك المرض الأول في العصر هو الكآبة، لأن الإنسان في هذا العصر ابتعد عن الدين، والدين فيه ضوابط، وتحرك وفق شهوته فلما أخذ ما ليس له، أو لما اعتدى على أعراض الآخرين، لما بنى لذته على معصية لله، والمعصية فيها عدوان، شعر بكآبة، لأن الإنسان جبل على نمط يطابق الشرع تماماً، فإذا عصى الله عز وجل حاربته نفسه، فإذاً اللذة ليست متنامية وليست مستمرة بل متناقصة، وهي مادية الطابع، وتأتيك من الخارج.
2 ـ السعادة تنبع من داخل الإنسان لا تحتاج إلى مادة أو مال تحتاج إلى صلة بالله:
أما السعادة تنبع من داخلك، صدقوا ولا أبالغ يمكن أن نسميها بالمصطلح القرآني السكينة، فأنت بالسكينة تسعد ولو فقدت كل شيء، قد لا تصدقون أن إنساناً بالمنفردة مع السكينة أسعد إنسان، وبأجمل بيت من دون سكينة أشقى إنسان، شيء عجيب، سيدنا يونس رأى السكينة في بطن الحوت:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
سيدنا إبراهيم رأى السكينة في النار:
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
( سورة الأنبياء )
سيدنا موسى رأى السكينة وهو في أصعب الأوقات وهو هائم على وجهه خائفاً، إذاً هذه السكينة شيء نفيس جداً، أي السعادة، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، هذا العطاء الإلهي الكبير، السكينة تنبع من الداخل، ولا تحتاج إلى مادة، لا تحتاج إلى مال، تحتاج إلى صلة بالله عز وجل، تحتاج إلى طاعة.
اللذة من سلبياتها أنها تحتاج إلى وقت وصحة ومال أما السعادة يمكن أن تبدأ وتستمر بها:
لذلك قالوا: اللذة من سلبياتها أنها تحتاج إلى وقت، وإلى صحة، وإلى مال، لذة من دون مال لا يوجد، يقول لك: والله كلف العشاء ثلاثين ألفاً، هناك عصير، و مقبلات، و حلويات، و فواكه، و أنواع منوعة من الطعام، و أجواء رومانسية، لا يوجد لذة من دون مال، ولا يوجد لذة من دون شباب و صحة، الذي معه أمراض لا يستطيع أن يأكل شيئاً، ولا يوجد لذة من دون وقت، اللذة تحتاج إلى مال، وإلى صحة، وإلى وقت، ولحكمة بالغة بالغة بالغة أي إنسان دائماً ينقصه أحد شروط اللذة، في البدايات شاب يطحن الحجر لكن لا يوجد مال، أول حياته يوجد صحة و وقت لكن لا يوجد مال، عمل عملاً، نجح العمل، أقسم لي بالله صاحب معمل على رأس عمله قال: والله خمس وعشرون سنة أدخل المعمل الساعة الخامسة صباحاً أخرج منه آخر إنسان، اشترى بيتاً بمئة وستين مليوناً، لا يوجد عنده وقت ليستمتع، اللذة تحتاج إلى وقت، فالمعمل نجح ودخله فلكي، أولاده كبروا سلمهم المعمل، صار معه مال ووقت لكن لا يوجد صحة أسيد أوريك، شحوم ثلاثية، هذا الطعام ممنوع، هذا لا يناسبه، في البدايات يوجد صحة و وقت و لا يوجد مال، بمنتصف الحياة المال موجود والصحة موجودة و لا يوجد وقت، بنهاية الحياة هناك مال ووقت ولا يوجد صحة.
أما السعادة يمكن أن تبدأ بها وتستمر إلى نهاية الحياة، وفي نهاية الحياة تنقلك هذه السعادة إلى سعادة أعظم، أنا أحياناً أدخل إلى بيت أجد صاحبه مؤمناً مستقيماً، والبيت جميل، وكل شيء فيه، أقول له: جعل الله نعم الدنيا عندك متصلة بنعم الآخرة، هذا ليس صعب أبداً، الإنسان إذا أكرمه الله تكون متع الدنيا متصلة بمتع الآخرة.
~كتاب قيّم لابن القيّم~
الموضوع : اللذة تابعة للمحبة>>> المصدر : مسجد الهدي المحمدي الكاتب: aya