الشريعة والحياة
بقلم : دكتور شهاب الدين محمد أبو زهو
لا شك أن الإنسان في هذه الحياة يحتاج إلى ما يقيم له دينه، ويصلح له دنياه، ويحفظ له بدنه، ويفي له بحاجة روحه، حتى يبلغ الكمال اللائق به، ويصل إلى ما يسعده في دنياه وآخرته.
ولأجل ذك أنزل الله عز وجل الكتب وأرسل الرسل بالشرائع المناسبة لأزمنتها وأمكنتها وحاجة المخاطبين بها، ثم ختم هذه الشرائع بشريعة الإسلام التي اختصها بالكمال والتمام، ووفائها بجميع حاجات البشر في كل زمان ومكان؛ لأنه لا شريعة بعدها إلى قيام الساعة.
وقد نزلت هذه الشريعة من عند الله تعالى شريعة كاملة شاملة جامعة مانعة لا ترى فيها عوجًا، ولا تشهد فيها نقصًا، ومع هذا الكمال والتمام والوفاء لم تعد هناك حاجة لتنزل المزيد الشرائع الإلهية، ولهذا قال الله تعالى :"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، ولهذا جعل الله تعالى إرسال نبينا محمدًا رسولآً لعامة البشر رحمة عامة لها، قال الله تعالى :"وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"
فهي شريعة كل أسرة، وشريعة كل قبيلة، وشريعة كل جماعة، وشريعة كل دولة، بل هي الشريعة العالمية التى تمنى علماء القانون الوضعي أن يصلوا إليها، ولكنهم لم يستطيعوا أن يوجدوها.
إنها شريعة تحقق للبشرية أهداف العمران في شتى جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
فالإسلام عقيدة وعبادة، وخلق وتشريع، وحكم وقضاء، ومسجد وسوق، وهو علم وعمل، إن الإسلام منهج حياة، دين ودولة.
إنها شريعة مكتملة الخصائص، تؤدي نفعها لخير الإنسانية.
أرأيت شجرة باسقة مورقة مثمرة، يتفيأ الناس ظلالها، ويأكلون من ثمارها، ويستروحون عبير أزهارها ؟
فشرعة الإسلام تلك الشجرة، العقيدة جذورها، والعبادات ساقها، والمعاملات أفنانها، والأخلاق أوراقها، والعزة والجنة قطوفها.
ولم تأت الشريعة لوقت دون وقت، أو لعصر دون عصر، أو لزمن دون زمن، وإنما هي شريعة كل وقت، وشريعة كل عصر، وشريعة الزمن كله حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
إن شريعة الإسلام تنزيل من الرحمن الرحيم الحكيم الخبير، وما أنزل الله من تشريع إنما هو روح ونور وحياة"وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكنه جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صرا مستقيم"
وهذه الشريعة معصومة إلى يوم القيامة، منزهة عن الباطل، محفوظة من الغلط والتحريف، وكيف لا تكون كذلك ؟! وهي من عند الله الذي لا يضل ولا ينسى، وقد تكفل الله سبحانه بحفظها"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
وقد صيغت هذه الشريعة بحيث لا يؤثر عليها مرور الزمن، ولا يقتضي تغيير قواعدها الأساسية، فجاءت نصوصها من العموم والمرونة بحيث تحكم كل حالة جديدة ولو لم يكن في الإمكان توقعها.
إنها شريعة مصاغة بأسلوب أدبي رائع، يخاطب العقل والقلب معًا، وهو أسلوب يستثير النفس والأحاسيس، ويهدف إلى الإقناع، أسلوب سهل ميسر، اختلت فيه الأحكام بالترغيب والترهيب، وامتزج الأمر والنهي ببيان الحكمة، وكيف لا يكون الأمر كذلك ؟! والقرآن كلام الله المعجز، لا يكاد يلامس السمع حتى يسي فه كتيار متدفق لا يملك له الإنسان دفعًا"إنا سمعنا قرآنًا عجبا يهدي إلى الرشد فأمنا به"
وكيف لا يكون الأمر كذلك ؟! والرسول صلى الله عليه وسلم أفصح العرب وقد أوتي جوامع الكلم، وصدق الله تعالى إذ يقول :"ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر".
إن شريعة الإسلام هي القانون العالمي الوحيد الذي يصلح لحكم الحياة الإنسانية وإصلاحها، ويسع الناس على اختلاف الزمان والمكان، فقد أراد الحق سبحانه أن يكون الدين الإسلامي لجميع البشر، والشريعة الإسلامية شريعة للناس كافة، والقرآن منزل للعالمين، ومحمد صلى الله عليه وسلم سول للناس كلهم، قال تعالى"تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا"وقال :"وغن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين".
لقد نزلت الشريعة الإسلامية لتسع حياة الإنسان من كل أطرافها، وحياة الإنسان بكل أبعادها، فلا تضيق بالحياة، ولا تضيق الحياة بها، وحسبنا أن الله الذي شرعها أراد لها أن تكون كذلك، ومتى أراد الله فلا راد لحكمه"والله متم نوره ولو كره الكافرون.
دكتور / شهاب الدين محمد أبو زهو
كلية أصول الدين بطنطا ـ جامعة الأزهر
الموضوع : الشريعة والحياة - حزب النور المصدر : مسجد الهدي المحمدي الكاتب: aya