أمة اللهعضو جديد
تاريخ التسجيل : 28/10/2010
| موضوع: تفسير سوره النبأ الإثنين 12 ديسمبر 2011, 9:23 pm | |
| (سورة النبأ)
عَمَّ يَتَسَاءَلُون (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ(2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ(3) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (5)
(عَمَّ يَتَسَاءَلُون) أي: عن أيِّ شيءٍ يتساءل المكذِّبون بآيات الله؟
ثم بيَّن ما يتساءلون عنه فقال: {عن النبإ العظيم. الذي هم فيه
مختلفونَ}؛ أي: عن الخبر العظيم الذي طال فيه نزاعُهم وانتشر
فيه خلافُهم على وجه التَّكذيب والاستبعاد، وهو النبأ الذي لا يقبل
الشكَّ ولا يدخُلُه الريبُ، ولكن المكذِّبون بلقاء ربِّهم لا يؤمنون،
ولو جاءتهم كلُّ آيةٍ، حتى يَرَوُا العذاب الأليم، ولهذا قال: {كلاَّ
سيعلمونَ. ثم كلاَّ سيعلمونَ}؛ أي: سيعلمون إذا نزل بهم العذابُ
ما كانوا به يكذبون حين {يُدَعُّون إلى نار جَهَنَّم دعًّا}. ويقال لهم:
{هذه النَّار التي كنتُم بها تكذِّبونَ}.ثم ذكر تعالى النِّعم والأدلَّة
الدالَّة على ما جاءت به الرُّسل فقال:
أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا(6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا
نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا
فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ
مَاء ثَجَّاجًا (14)لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)
أي: أما أنعمنا عليكم بنعمٍ جليلةٍ، فجعلنا لكم {الأرضَ مِهاداً}؛ أي: ممهَّدة
مذلَّلة لكم ولمصالحكم من الحروث والمساكن والسُّبل، {والجبالَ
أوتاداً}: تمسك الأرض لئلاَّ تضطرب بكم وتميدَ، {وخَلَقْناكم أزواجاً}؛ أي:
ذكوراً وإناثاً من جنس واحدٍ؛ ليسكن كلٌّ منهما إلى الآخر، فتتكوَّن الموَّدة
والرحمة، وتنشأ عنهما الذُّرِّيَّة. وفي ضمن هذا الامتنان بلذَّة المنكح.
{وجَعَلْنا نومَكم سُباتاً}؛ أى: راحةً لكم وقطعاً لأشغالكم التي متى تمادت
بكم؛ أضرَّت بأبدانكم، فجعل الله الليل والنوم يُغْشي الناس لتسكنَ
حركاتُهم الضارَّة وتحصل راحتُهم النافعةُ، {وبنينا فوقَكم سبعاً شِداداً}؛
أي: سبع سماواتٍ في غاية القوَّة والصَّلابة والشِّدَّة، وقد أمسكها الله
بقدرته، وجعلها سقفاً للأرض، فيها عدَّة منافع لهم، ولهذا ذكر من
منافعها الشمس، فقال: {وجَعَلْنا سراجاً وهَّاجاً}: نبَّه بالسِّراج على النِّعمة
بنورها الذي صار ضرورةً للخلق، وبالوهَّاج ـ وهي حرارتها ـ على ما
فيها من الإنضاج والمنافع ، {وأنزلنا من المعصِراتِ}؛ أي: السَّحاب {ماءً
ثَجَّاجاً}؛ أي: كثيراً جدًّا؛ {لِنُخْرِجَ به حبًّا}: من برٍّ وشعيرٍ وذرةٍ وأرزٍّ
وغير ذلك مـمّا يأكله الآدميُّون، {ونباتاً}: يشملُ سائر النَّبات الذي جعله
الله قوتاً لمواشيهم، {وجناتٍ ألفافاً}؛ أي: بساتين ملتفَّة فيها من جميع
أصناف الفواكه اللَّذيذة؛ فالذي أنعم [عليكم] بهذه النِّعم الجليلة التي لا
يقدر قدرها ولا يحصى عددها؛ كيف تكفُرون به وتكذِّبون ما أخبركم به
من البعث والنُّشور؟! أم كيف تستعينون بنعمِهِ على معاصيه
وتجحَدونها؟!
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)
ذكر الله تعالى ما يكون في يوم القيامةِ الذي يتساءل عنه
المكذِّبون ويجحده المعاندون؛ أنَّه يومٌ عظيمٌ، وأن الله جعله
{ميقاتاً} للخلق، {يُنفَخُ في الصُّور} فيأتون {أفواجاً}: ويجري فيه
من الزعازع والقلاقل ما يَشيبُ له المولودُ وتنزعجُ له القلوبُ،
فتسير الجبال حتى تكون كالهباء المبثوثِ، وتنشقُّ السماء حتى
تكون أبواباً، ويفصل الله بين الخلائق بحكمه الذي لا يجور،
وتوقدُ نارُ جهنَّم التي أرصدها الله وأعدَّها للطَّاغين وجعلها مثوىً
لهم ومآباً، وأنَّهم يلبَثون فيها أحقاباً كثيرةً، والحقبُ على ما قاله
كثيرٌ من المفسِّرين ثمانون سنة؛ فإذا وردوها ؛ {لا يذوقون فيها
برداً ولا شراباً}؛ أي: لا ما يبرِّدُ جلودَهم ولا ما يدفع ظمأهم؛ {إلاَّ
حميماً}؛ أي: ماءً حارًّا يشوي وجوههم ويقطِّع أمعاءهم
{وغَسَّاقاً}: وهو صديدُ أهل النار: الذي هو في غاية النتن وكراهة
المذاق.
وإنَّما استحقُّوا هذه العقوبات الفظيعة جزاءً لهم وفاقاً على ما
عملوا من الأعمال الموصلة إليها، لم يظلمهم الله ولكن ظلموا
أنفسهم، ولهذا ذكر أعمالهم التي استحقُّوا بها هذا الجزاء، فقال:
{إنَّهم كانوا لا يرجونَ حساباً}؛ أي: لا يؤمنون بالبعث، ولا أنَّ
الله يجازي الخلق بالخير والشرِّ؛ فلذلك أهملوا العمل للآخرة،
{وكذَّبوا بآياتِنا كِذَّاباً}؛ أي: كذَّبوا بها تكذيباً واضحاً صريحاً،
وجاءتهم البيِّنات فعاندوها، {وكلَّ شيءٍ}: من قليلٍ وكثيرٍ وخيرٍ
وشرٍّ، {أحصيناه كتاباً}؛ أي: أثبتناه في اللوح المحفوظ؛ فلا
يحسب المجرمون أنَّا عذَّبناهم بذنوب لم يعملوها، ولا يحسبوا
أنَّه يضيع من أعمالهم شيءٌ أو يُنسى منها مثقالُ ذرَّةٍ؛ كما قال
تعالى: {ووُضِعَ الكتابُ فترى المجرمين مشفقين مـمَّا فيه
ويقولون يا ويلتنا مالِ هذا الكتاب لا يغادِرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاَّ
أحصاها ووجدَوا ما عمِلوا حاضراً ولا يظلِمُ ربُّك أحداً}.
{فذوقوا}: أيُّها المكذِّبون هذا العذاب الأليم والخزيَ الدائم، {فلن
نزيدكم إلاَّ عذاباً}: فكلُّ وقتٍ وحينٍ يزدادُ عذابُهم. وهذه الآيةُ أشدُّ
الآيات في شدَّة عذاب أهل النار، أجارنا الله منها.
الموضوع : تفسير سوره النبأ المصدر : مسجد الهدي المحمدي الكاتب: أمة الله |
|