. شخصية الأسبوع
الشخصية
الثانية والعشرون
الجزء الثانى
خالد بن الوليد يقاتل المرتدين ومانعي الزكاة
بعد
وفاة النبي شارك خالد بن الوليد في قتال المرتدين في عهد أبي بكر الصديق ، فقد ظن بعض المنافقين وضعاف
الإيمان أن الفرصة قد أصبحت سانحة لهم -بعد وفاة النبي- للانقضاض على هذا الدين؛ فمنهم من
ادَّعى النبوة، ومنهم من تمرد على الإسلام ومنع الزكاة، ومنهم من ارتدَّ عن الإسلام، وقد وقع
اضطراب كبير،
واشتعلت الفتنة التي أحمى أوارها وزكّى نيرانها كثير من أعداء الإسلام.
وقد
واجه الخليفة الأول تلك الفتنة بشجاعة وحزم، وشارك خالد بن الوليد t بنصيب وافر في
التصدي لهذه الفتنة والقضاء عليها، حينما وجّهه أبو بكر لقتال طليحة بن خويلد
الأسدي، وكان قد تنبَّأ في حياة النبي حينما علم بمرضه بعد حجة الوداع،
ولكن خطره تفاقم وازدادت فتنته بعد وفاة النبي والتفاف كثير من القبائل حوله، واستطاع خالد أن
يُلحِق بطليحة وجيشه هزيمة منكرة، فرَّ "طليحة" على إثرها إلى الشام، ثم أسلم بعد ذلك وحسن
إسلامه. وبعد فرار طليحة راح خالد يتتبع فلول المرتدين، فأعمل فيهم
سيفه حتى عاد كثير منهم إلى الإسلام.
خالد بن الوليد والقضاء على فتنة مسيلمة الكذاب
كان
أبو بكر t قد أرسل عكرمة بن أبي جهل
t لقتال مسيلمة، ولكنه هزم، فأرسل له أبو بكر شرحبيل بن
حسنة t، وزادت المصيبة ثقلاً على المسلمين
عندما هزموا مرةً ثانية؛ مما رفع من
الروح المعنوية لأتباع "مُسَيْلمة الكذَّاب"، وتعاظمت
ثقتهم بالنصر، فلم يَرَ أبو بكرٍ بُدًّا من إرسال سيف الله المسلول خالد بن الوليد t إليهم. ومن
البطاح إلى "اليمامة" خرج خالد بن الوليد t لقتال مسيلمة الكذاب الذي كان من أشد
أولئك المتنبِّئين خطرًا، ومن أكثرهم أعوانًا وجندًا.
والتقى
الجمعان بـ"عقرباء"، ودارت معركة عنيفة بين الجانبين، قاد مسيلمة قواته التي
تزيد على الأربعين ألف مقاتل لمجابهة خالد الذي لم تكن قواته تزيد على ثلاثة عشر ألف مجاهد في سبيل الله، ودارت
رحى معركة عنيفة، وازدادت أعداد القتلى، وثبت "مسيلمة" رغم كثرة أعداد القتلى من
جيشه، وأدرك خالد
بن الوليد t أنها لا تركد إلا بقتله، فبرز خالد t حتى إذا كان أمام الصفوف دعا إلى
المبارزة، فجعل لا يبارز أحدًا إلا أرداه قتيلاً، حتى دنا من
"مسيلمة" فأرهقه وأدبر، ونادى مسيلمة في قومه: الحديقةَ
الحديقةَ؛ فدخلوا (حديقة الموت) وأغلقوها عليهم، وأحاط المسلمون بهم، فصرخ
البراء بن مالك t قائلاً: يا معشر المسلمين، احملوني على الجدار اقتحم عليهم. فحملوه،
وقاتلهم على الباب حتى تمكن من فتحه للمسلمين، فدخلوا، واقتتلوا قتالاً شديدًا، وأتى وحشيّ بن
حرب t فهجم على مسيلمة بحربته، وضربه رجل من الأنصار بسيفه، فقُتل.
وهكذا
انتهت المعركة بهزيمة "بني حنيفة" ومقتل "مسيلمة"، وقد استشهد
في تلك الحرب عدد كبير من المسلمين بلغ أكثر من ثلاثمائة وستين من المهاجرين والأنصار، وبثَّ خالد بعد
المعركة مباشرةً خيوله تطارد فلول المشركين، وتلتقط من ليس في الحصون.
فتوحات خالد بن الوليد في العراق
مع
بدايات عام (12هـ/ 633م) بعد أن قضى أبو بكر الصديق t على فتنة الردة التي كادت تمزق الأمة
وتقضي على الإسلام، توجه الصّدّيق
t ببصره إلى العراق يريد تأمين حدود الدولة الإسلامية،
وكسر شوكة الفرس المتربصين بالإسلام.
كان
المثنى بن حارثة t يقاتل في العراق عندما كانت جيوش المسلمين تحارب المرتدين، وما
إن انتهت حروب المرتدين بقيادة خالد بن الوليد t،
حتى أصدر الصديق t أوامره لخالد بن الوليد وعياض بن غنم -رضي الله عنهما- بالتوجه
إلى العراق، فتوجه خالد t إلى العراق، واستطاع أن يحقق عددًا من الانتصارات على الفرس في "الأُبُلَّة"
و"المذار" و"الولجة" و"أُلَّيْس"، وواصل خالد تقدمه
نحو "الحيرة" ففتحها بعد أن صالحه أهلها على الجزية، واستمر خالد بن
الوليد في تقدمه وفتوحاته حتى فتح جانبًا كبيرًا من العراق، ثم اتجه إلى
"الأنبار" ليفتحها، ولكن أهلها تحصنوا بها، وكان حولها خندق عظيم يصعب
اجتيازه، ولكن
خالدًا لم تعجزه الحيلة، فأمر جنوده برمي الجنود المتحصنين بالسهام
في عيونهم، حتى
أصابوا نحو ألف عين منهم، ثم عمد إلى الإبل الضعاف والهزيلة، فنحرها وألقى بها في أضيق جانب من الخندق، حتى صنع
جسرًا استطاع العبور عليه هو وفرسان المسلمين تحت وابل من السهام أطلقه رماته لحمايتهم من الأعداء المتربصين بهم من فوق
أسوار الحصن العالية المنيعة. فلما رأى قائد الفرس ما صنع خالد بن الوليد t وجنوده، طلب
الصلح، وأصبحت الأنبار في قبضة المسلمين.
في
الوقت نفسه كانت الأمور على مسرح عمليات الشام تتطور بصورة خطيرة، فقد جمع
الروم قوات ضخمة لمحاربة الفاتحين المسلمين، ولم يكن من بدٍّ من إرسال سيف الله المسلول إلى
هناك.
الطريق إلى الشام
رأى
أبو بكر الصديق t أن يتجه بفتوحاته إلى الشام، إذ كان خالد بن الوليد t قائده الذي يرمي
به الأعداء في أي موضع، حتى قال عنه: "والله لأنسيَنَّ الروم وساوس الشيطان
بخالد بن الوليد".
ولم
يخيِّب خالد بن الوليد t ظن أبي بكر الصديق
t فيه، فقد استطاع أن يصل إلى الشام بسرعة بعد أن سلك
طريقًا مختصرًا،
مجتازًا المفاوز المهلكة غير المطروقة، متخذًا "رافع بن عمير
الطائي" دليلاً له؛ ليكون في نجدة أمراء أبي بكر في الشام، فيفاجئ
الروم قبل أن يستعدوا له.
وما
إن وصل خالد بن الوليد t إلى الشام حتى عمد إلى تجميع جيوش المسلمين تحت راية واحدة؛
ليتمكنوا من مواجهة عدوهم والتصدي له، وكانت أول مهمة تتطلب الحل هي "تقسيم القوات"، فقد
كان خالد بن الوليد t يؤمن بنوعية
المقاتل، وقدرة هذه
النوعية على تحقيق التعادل ضد التفوق الكمي الذي ينفرد به أعداء
المسلمين، وكان
خالد بن الوليد يعرف أيضًا أن أمامه في الشام معارك حاسمة، فسار إليهم حتى وصل إلى قوات أبي عبيدة
بن الجراح t في (بُصرى)، وبدأ بخطبة جيش المسلمين قائلاً: "إن هذا يوم من
أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، أخلصوا جهادكم، وأريدوا الله بعملكم؛ فإن هذا يوم له ما بعده، ولا تقاتلوا
قومًا على نظام وتعبية على تساند وانتشار؛ فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي، وإن من وراءكم لو يعلم علمكم
حال بينكم وبين هذا، فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبته".
وقد
تمكَّن خالد بن الوليد t أن يلحق بالروم هزائم عديدة، حتى استطاع أن يقضي على شوكتهم
تمامًا، وصارت بلاد الشام بلدًا إسلاميًّا.
خالد بن الوليد بين القيادة والجندية
لم
ينتهِ دور خالد بن الوليد t في الفتوحات الإسلامية بعزل عمر له وتولية أبي عبيدة بن الجراح t أميرًا للجيش،
وإنما ظل خالد بن الوليد t يقاتل في صفوف المسلمين، فارسًا من فرسان الحرب، وبطلاً من
أبطال المعارك الأفذاذ المعدودين.
وكان
لخالد بن الوليد t دورًا بارزًا في فتح دمشق وحمص وقِنَّسْرِين، ولم يفتّ
في عضده أن يكون واحدًا من جنود
المسلمين، ولم يوهن في عزمه أن يصير جنديًّا بعد أن كان قائدًا
وأميرًا؛ فقد
كانت غايته الكبرى الجهاد في سبيل الله، ينشده من أي موقع وفي أي مكان.
الموضوع : شخصية الأسبوع الشخصية الثانية والعشرون المصدر : مسجد الهدي المحمدي الكاتب: على حسن عبد الهادى توقيع العضو/ه :على حسن عبد الهادى |
|