الشخصية الواحد والعشرون فى رمضان
ولد حسن البنا بمدينة المحمودية بمحافظة
البحيرة في مصر عام 1906 ميلادية . كان أبوه عبد الرحمن البنا من
العلماء العاملين . إشتغل بعلوم السنة ، و له عدة مصنفات في الحديث الشريف أهمها
(( الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد )) ، و كان إلى هذا يحترف
تجليد الكتب و إصلاح الساعات ، لذا لقب بالساعاتي .
نشأ حسن البنا في بيت علم و صلاح ، و
تلقى علومه الأولية في مدرسة الرشاد الدينية ثم بالمدرسة الإعدادية
المحمودية ، و بدأ اهتمامه في سن مبكر بالعمل الاسلامي المنظم للأمر
بالمعروف و النهي عن المنكر و الدعوة إلى الله ، فأنشأ مع زملائه في الدراسة
(( جمعية الأخلاق الأدبية )) ثم (( جمعية منع المحرمات )) و تعرف على
الطريقة الحصافية ، مما أصل في نفسه معاني الزهد و الصفاء و التجرد .
انتقل إلى دار المعلمين بدمنهور عام 1920
حيث أتم حفظ القرأن الكريم قبل إتمام الرابعة عشرة من عمره، و شارك في
الحركة الوطنية ضد الإحتلال .
و في عام 1923 إنتقل إلى القاهرة حيث
انتسب إلى دار العلوم . و هناك تفتحت أمام حسن البنا أفاق واسعة ،
فبالإضافة إلى مجالس إخوان الطريقة الحصافية كان يرتاد المكتبة السلفية و مجالس
علماء الأزهريين ، و كان يحض الجميع على ضرورة العمل للإسلام بشتى الوسائل .
و تبلورت معالم الدعوة إلى الله في نفسه و شغلت كل تفكيره ، فبدأ يتنقل
مع عدد من زملائه داعيا إلى الله في المجالس و المقاهي و المنتديات .
تخرج حسن البنا من دار العلوم عام 1927 ،
و كان ترتيبه الأول ، و عين مدرسا بمدينة الإسماعيلية على قناة السويس
، فأنتقل إليها و بدأ منهجا مدروسا في الدعوة ، فكان يتصل بالناس في
المقاهي ثم ينتقل بهم إلى المسجد باذلا جهده في تجاوز الخلافات التي كانت تسود
المجتمع الإسلامي أنذاك و أستطاع أن يرسي دعائم دعوة إسلامية متميزة حيث
تعاهد مع ستة نفر من إخوانه على تشكيل أول نواة لجماعة الإخوان المسلمين ، و
كان ذلك في شهر ذي القعدة 1347 هجرية – أذار (مارس) 1928 ميلادية .
تميزت دعوة الإخوان المسلمين من أول
يوم بالعودة إلى الأصالة الاسلامية بمصدريها : الكتاب و السنة ، متجاوزة الخلافات
الجزئية و المذهبية . و كان الإمام البنا يركز على ضرورة صب
الجهود من اجل بناء جيل مؤمن يفهم الإسلام فهما صحيحا على إنه دين و
دولة ، و عبادة و جهاد ، و شريعة محكمة تنتظم حياة الناس جميعا في جوانبها
كلها ، التربوية و الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية .
كانت الساحة الإسلامية في ذلك الوقت
مقتصرة على تيارين رئيسيين : الدعوة السلفية و الطرق الصوفية ، و كان
الخلاف بينهما مستحكما و العداوة حادة ، و كان الفكر الإسلامي رهين أروقة
الأزهر و منظوماته و مصنفاته ، إلا ما خلفته حركة جمال الدين الأفغاني و
محمد عبده و محمد رشيد رضا من أثار . لذلك كانت دعوة الإمام البنا في
العودة إلى شمول الإسلام كل جوانب الحياة تجديدا رائدا في مجال التفكير
الإسلامي . فبعد أن كان الكاتبون المسلمون يجدون عنتا في التدليل على أن
الإسلام ليس ضد العلم و أنه يواكب الحضارة… أبرزت حركة الإخوان المسلمين جيلا
من الشباب المؤمن المثقف يستصغر الحضارة الغربية في جنب الإسلام ، و يعتقد
انه ( لن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة ) ، و قد
استوعبت جماعة الإخوان المسلمين في صفوفها مختلف قطاعات الشعب و خاصة الشباب
المثقف ، وأوقدت جذوة الإسلام في النفوس من جديد .
و نعود مع الإمام البنا إلى
الإسماعيلية ، حيث بدأ بناء مؤسسات الجماعة ، فأقام مسجداً و داراً للإخوان ، ثم
معهد حراء الاسلامي ، و مدرسة أمهات المؤمنين . و بدأت الدعوة تنتشر في
القرى و المدن المجاورة.
و في عام 1932 ينتقل الإمام حسن البنا
إلى القاهرة ، و بانتقاله إليها ينتقل المركز العام للإخوان المسلمين . و
كان يقوم برحلات متتابعة إلى الاقاليم يصحب فيها إخوانه الجدد يربيهم على
خلق الدعوة و يؤهلهم للقيام بأعبائها ، و كان يتابع عمله بدأب و تفان حتى غطت
جماعة الإخوان القطر المصري كله .
أصدر الإمام البنا مجلة (الإخوان
المسلمين) الإسبوعية ، ثم مجلة (النذير) و عددا من الرسائل ، و لم يفرغ- رحمه
الله - للكتابة و التأليف بل كان جل اهتمامة منصبا على التربية و نشر
الدعوة ، و على تكوين جماعة ماتزال رائد البعث الإسلامي في العالم كله .
حرص الإمام على ألا تكون حركته إقليمية
في حدود القطر المصري ، بل كانت عالمية بعالمية الدعوة الإسلامية ، لذلك
وجدناها تمتد في الأربعينات لتشمل العالم العربي كله ، و لتنطلق بعد ذلك في
أقطار العالم الإسلامي مركزة علم الدعوة في كل مكان . و كان الإمام البنا
رحمه الله يرسل المبعوثين إلى أقطار العالم يتفقدون أحوال المسلمين و
ينقلون إلى القاهرة صورة عن واقع العالم الإسلامي . و كان المركز العام
بالقاهرة ملتقى أحرار المسلمين في وقت كانت فيه معظم أقطار العالم الإسلامي
رازحة تحت الإحتلال الأجنبي . فمن رجال حركات التحرير في شمال إفريقيا ،
إلى أحرار اليمن ، إلي زعماء الهند و باكستان و اندونسيا و افغانستان ،
إلى رجالات السودان و الصومال و سوريا و العراق و فلسطين …
و كان للقضية الفلسطينية عناية خاصة
لدى الإمام البنا ، و كانت له نظرة ثاقبة في موضوع الخطر اليهودي ، و
كان الإخوان المسلمون منذ بداية الثورات الفلسطينية عام 1936 هم دعاة
التحذير و التحرير في العالم العربي . و لما دخلت الجيوش العربية فلسطين عام
1948 خاض الإخوان المسلمون الحرب في كتائب متطوعة عبر الجبهة الغربية من مصر و
الشرقية من سوريا ، و أبلوا فيها أحسن البلاء .
بعد ذلك مباشرة صدرت الأوامر من الدول
الغربية الكبرى للحكومة المصرية بحل جماعة الإخوان المسلمين و إعتقال
رجالها العائدين من القتال ، و ذلك بعد النكبة و توقيع الهدنة . و أبقى
الإمام البنا وحده خارج السجن ، ليجري إغتياله من قبل زبانية فاروق في أحد
شوارع القاهرة يوم 14 ربيع الثاني 1368 هجرية، 12 شباط (فبراير) 1949
ميلادية .
و لم تنته جماعة الإخوان المسلمين
باغتيال مرشدها و إعتقال رجالها و إغلاق دورها ، بل خرجت من المحنة أصلب
عودا لتخوض حربا أخرى ضد قوات الاحتلال البريطاني في قناة السويس عام 1951،
مما استدعى ضربة أقسى عام 1954 ثم عام 1965 .
مؤلفاته
ولا تُعرف لحسن البَنّا كتب أو مؤلفات خاصة سوى عدد من
الرسائل مجموعة ومطبوعة عدة طبعات بعنوان
"رسائل
الإمام الشهيد حسن البنا"، وهي تعتبر مرجعًا أساسيًّا للتعرف على فكر ومنهج
جماعة الإخوان بصفة عامة. وله مذكرات مطبوعة عدة طبعات أيضًا بعنوان
"مذكرات الدعوة والداعية"، ولكنها لا تغطّي كل مراحل حياته وتتوقف عند سنة 1942، وله خلاف ذلك عدد
كبير من المقالات والبحوث القصيرة، وجميعها منشورة في
صحف ومجالات الإخوان المسلمين التي كانت تصدر في الثلاثينيات
والأربعينيات، بالإضافة إلى مجلة الفتح الإسلامية التي نشر بها أول مقالة له