الجزء الثانى
حادثة شق بطن الرسول صلى الله عليه و سلم :
لم يمض على مقدم الغلام المبارك غير أشهر معدودات حتى وقع له أمر
أخاف السيدة حليمة
رضي الله عنها وهزها هزاً. و تحكي السيدة حليمة رضي الله عنها ما حدث فتقول :
خرج ذات صباح مع أخيه في غنيمات لنا يرعيانها خلف بيوتنا ؛ فما هو
إلا قليل حتى أقبل
علينا أخوه يعدو ، وقال : الحقا بأخي القرشي ، فقد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه
… وشقا بطنه …
فانطلقت أنا وزوجي نغدو نحو الغلام ، فوجدناه ممتقع الوجه مرتجفاً … فاكرمته و التزمه زوجي ،
وضممته إلى صدري … وقلت له : مالك يا بني ؟!! فقال
: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني ، وشقا بطني ، والتمسا شيئاً
فيه ، لا أدري ما
هو ثم خلياني ، ومضيا.
فرجعنا بالغلام مضطربين خائفين. فلما بلغنا خباءنا التفت إلي زوجي
وعيناه تدمعان ، ثم
قال : إني لأخشى أن يكون هذا الغلام المبارك قد أصيب بأمر لا قبل لنا برده … فألحقيه
بأهله ، فإنهم أقدر منا على ذلك.
فاحتملنا الغلام ومضينا به حتى بلغنا مكة ، ودخلنا بيت أمه ، فلما
رأتنا حدقت في وجه
ولدها، ثم بادرتني قائلة: ما أقدمك بمحمد يا حليمة وقد كنت حريصة عليه ؟! شديدة
الرغبة في مكثه عندك؟ فقلت : لقد قوي عوده واكتملت فتوته وقضيت الذي علي نحوه ، وتخوفت عليه من
الأحداث ؛ فأديته إليك فقالت
آمنة رضي الله عنها : اصدقيني الخبر فما أنت بالتي ترغب عن الصبي
لهذا الذي ذكرته ثم
مازالت تلح علي ولم تدعني حتى أخبرتها بما وقع له ، فهدأت ثم قالت : وهل تخوفت عليه
الشيطان يا حليمة ؟
فقلت : نعم .
فقالت : كلا ، والله ما للشيطان عليه من سبيل … وإن لابني لشأناً …
فهل أخبرك خبره ؟
فقلت : بلى …
قالت : رأيت ـ حين حملت به ـ أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بصرى من
أرض الشام ثم إني
حين ولدته نزل واضعاً يديه على الأرض ، رافعاً رأسه إلى السماء
ثم قالت دعيه عنك ، وانطلقي راشدة وجزيت عنه وعنا خيراً.
فمضيت أنا وزوجي محزونين أشد الحزن على فراقه … ولم يكن غلامنا بأقل
منا حزنا عليه ، وأسى ولوعة على فراقه.
منزلتها عند رسول الله صلى الله عليه و سلم
:
ولقد آمنت السيدة آمنة رضي الله عنها وصدقت بالكتاب الذي أنزل على
ابنها البار الذي
أرضعته و قد كان لها رضي الله عنها ذات مكانة في قلب الرسول الكريم صلى الله عليه و
سلم
فعندما غنم رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة الطائف الكثير من المغانم و كان معه من
سبي هوازن ستة آلاف من الذراري و النساء و كذلك من الإبل و الشياه الشئ الكثير
و قد اتاه وفد هوازن ممن اسلموا و قالوا له : يا رسول الله غنما في
الحظائر عماتك و
خالاتك و خواصك. فوقعت الكلمة في قلب رسول الرحمة صلى الله عليه و سلم فهم قد تشفعوا بأمه
التي أرضعته رضي الله عنها فلم يرد الرسول صلى الله عليه و سلم شفاعتهم و لكن الغنائم حق
للمسلمين فلابد ان يرودوه لهوازن عن طيب نفس منهم فقال لوفد هوازن : " أما ما
كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم و إذا أنا صليت الظهر بالناس فقوموا و قولوا
: إنا نستشفع برسول الله
الى المسلمين و بالمسلمين الى رسول الله في ابنائنا و نسائنا
فسأعطيكم عند ذلك و أسأل
لكم
و لما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس الظهر قام رجال
هوازن و تكلموا بالذي
أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " أما
ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم " و قال المهاجرون : و ما كان لنا فهو لرسول
الله صلى الله عليه و سلم و قال الانصار : و ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم
فردوا لهوازن الغنائم كلها
عرفانا منه صلى الله عليه و سلم لأمه رضي الله عنها
و قد روى أبو داوود عن أبي الطفيل بن عامر بن واثلة الكناني قال :
"رأيت رسول الله
صلى الله عليه و سلم يقسم لحماً بالجعرانة و أنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور إذ أقبلت
امرأة دنت الى النبي صلى الله عليه و سلم فبسط لها رداءه فجلست عليه
فقلت : من هي ؟
فقالوا : هذه أمه التي أرضعته
و هكذا فلقد عاشت حليمة السعدية رضي الله عنها حتى بلغت من الكبر
عتياً ثم رأت الطفل
اليتيم الذي أرضعته ، قد غدا للعرب سيداً وللإنسانية مرشداً وللبشرية نبياً
والى لقاء قادم
الموضوع : شخصية الأسبوع الشخصية الحادية عشر المصدر : مسجد الهدي المحمدي الكاتب: على حسن عبد الهادى توقيع العضو/ه :على حسن عبد الهادى |
|