طلحة بن عبيد الله .. الشهيد الحي
عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله
عنهما قالت: اني لفي داري ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالفناء وبيني
وبينهم الستر اذ أقبل طلحة بن عبيد الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سره أن
ينظر الى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه (أي استشهد في سبيل الله) فلينظر الى طلحة”.
ولا عجب في ذلك. فطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن
عمرو بن كعب بن تميم بن كعب يلتقي نسبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومع
أبي بكر الصديق
في كعب بن سعد.
وهو من سادات قريش، ومن السابقين الى الاسلام
والمنفقين في سبيل الله والمدافعين عن رسوله صلى الله عليه وسلم. وأيضاً من شهدائه
الأبرار الذي صدقوا
ماعاهدوا الله عليه.
وقد سماه النبي في يوم أحد طلحة الخير وفي غزوة
القشيرة طلحة الفياض وفي يوم حنين طلحة الجواد.
راهب بصري
وقصة اسلامه تتشابه مع قصص كثير من السابقين الى
الاسلام الذين جاءتهم الاشارات والبشارات سواء في الرؤى المنامية أو في حال اليقظة.
يقول طلحة عن اسلامه:
حضرت سوق بصرى، فاذا أنا براهب في صومعته يقول:
سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من الحرم؟ (أي من مكة)، فقلت: نعم: فقال: هل ظهر أحمد بعد
؟ فقلت:
ومن أحمد؟ قال الراهب: ابن عبد الله بن عبد
المطلب. هذا شهره الذي يخرج فيه. وهو آخر الأنبياء. ومخرجه من الحرم ومهاجره الى نخل وحَرة
وسياج.
فاياك أن تُسبق اليه. فوقع في قلبي ما قال. فخرجت
سريعا حتى قدمت مكة. فقلت: هل
كان من حدث؟ قالوا: نعم. محمد بن عبد الله الأمين قد تنبأ.
وقد تبعه ابن أبي قحافة أي أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحدثتني نفسي: محمد وأبو بكر. والله لا يجتمع الاثنان على
ضلالة أبداً.
لقد بلغ محمد الأربعين من عمره وما جربنا عليه
كذبا. وانه ما كان ليترك الكذب على الناس ويكذب على الله. فخرجت حتى وقفت على أبي بكر
فقلت:
اتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم. فانطلق اليه فادخل
عليه فاتبعه فإنه يدعو الى الحق. فأخبره طلحة بما قال الراهب.
فخرج به أبو بكر حتى دخل به على رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأسلم طلحة وأخبر النبي بقصة الراهب.
وكما حدث مع غيره من السابقين للاسلام تعرض طلحة
للأذى من أجل أن يترك هذا الدين وتعذب. ولكنه تحمل العذاب حتى يئس منه المشركون.
فقد بلغ خبر اسلام أبي بكر وطلحة الى نوفل بن
خويلد وكان من سادات قريش فأخذهما نوفل وشدهما في حبل واحد. ولذلك سمي الاثنان بالقرينين
لاقترانهما في
حبل واحد.
واشترك معهما في التعرض للتعذيب الزبير بن العوام
الذي ظل بعد ذلك هو وطلحة في تلازم وصحبة وسباق في عمل الخير وفي الدفاع عن الاسلام ونبي
الاسلام
والانفاق في سبيل الله حتى ان علياً بن أبي طالب
كرم الله وجهه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “طلحة والزبير جاراي في
الجنة”. وأنعم به
من جوار.
يوم طلحة
وهاجر طلحة بدينه الى المدينة المنورة وشهد مع
النبي صلى الله عليه وسلم الوقائع كلها الا موقعة بدر: فقد بعثه النبي هو وسعيد بن زيد
قبل خروجه من المدينة
بعشر ليال يتحسسان
خبر العير القافلة التي كانت لقريش مع أبي سفيان بن حرب، فخرجا حتى بلغا الحوراء، فظلا بها حتى
مرت بهما العير، فانطلقا حتى يبلغا رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أن
النبي كان قد علم بأمر العير قبل وصولهما فتجهز
وخرج بالمسلمين لمواجهة المشركين، فلما علما بخروج النبي عادا ليلحقا به فلقياه وهو
منصرف من بدر وقد
نصره الله على الكفار.
فلم تتح لهما فرصة الاشتراك في غزوة بدر. غير أن
النبي صلى الله عليه وسلم قدر لهما ما قاما به فضرب بسهامهما وأجورهما في غزوة بدر فكانا
كمن شهدها.
غير أن البطولة الأكبر من طلحة قد تجلت في غزوة
أحد فقد برزت في ذلك اليوم قوة ايمان طلحة بن عبيد الله وشجاعته وصموده أمام هول الكفار
وثباته يوم عز الثبات،
ووفاؤه للنبي صلى الله عليه وسلم وتضحيته بنفسه
في سبيل نجاة الرسول عليه الصلاة والسلام حيث رأى طلحة أن النبي عليه الصلاة والسلام هدف
لأعداء الاسلام
فلزم جانبه يفديه بنفسه.
ولقد كان دوره في هذه الغزوة سببا في أن يطلق على
هذا اليوم: يوم طلحة وأن يلقب طلحة بلقب: الشهيد الحي وأن يسميه النبي صلى الله عليه
وسلم: طلحة الخير.
فحين انهزم المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولم يبق معه غير أحد عشر رجلا من الأنصار وطلحة بن عبيد الله من المهاجرين. كان
النبي يصعد الجبل
هو ومن معه.
فلحقت به عصبة من المشركين تريد قتله. فقال عليه
الصلاة والسلام: “من يرد عني هؤلاء هو رفيقي في الجنة؟” فقال طلحة: “أنا يا رسول الله”.
فقال عليه الصلاة والسلام “لا.مكانك” فقال رجل من
الأنصار: “أنا يا رسول الله”. فقال النبى: “نعم أنت” فقاتل الأنصاري حتى قتل.
ثم صعد الرسول عليه الصلاة والسلام بمن معه فلحقه
المشركون. فقال النبي “ألا رجل
لهؤلاء؟” فقال طلحة: أنا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم:”لا. مكانك”.
فقال رجل من الأنصار: “أنا يا رسول الله”. فقال:
“نعم أنت” فقاتل الأنصاري حتى قتل وتابع النبي صعوده والمشركون في أثره ومازال النبي
يأذن للأنصار في
القتال
حتى استشهدوا واحدا في اثر واحد ولم يبق سوى
طلحة. ولحق المشركون بالنبي فقال طلحة: “الآن نعم”. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
تعرض لأذى كثير.
فقد كسرت رباعيته وشج جبينه وجرحت شفته وسال الدم
على وجهه وأصابه الاعياء وثقلت حركته اذ كان يتشح بدرعين، فجعل طلحة يكر على المشركين
حتى يدفعهم عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم
ثم ينقلب الى النبي صلى الله عليه وسلم فيرقى به
قليلا في الجبل.ثم يسنده الى الأرض ويكر على المشركين من جديد. ومازال كذلك حتى صدهم
عنه.
قال أبو بكر رضي الله عنه: كنت آنئذ أنا وأبو
عبيدة بن الجراح بعيدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما أقبلنا عليه نريد اسعافه
قال: “اتركاني وانصرفا
الى صاحبكما”
يعني طلحة، فاذا هو تنزف دماؤه وفيه بضع وسبعون
ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم. واذا هو قد قطعت كفه وسقط في حفرة مغشياً عليه.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعد ذلك:
“من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض وقد قضى
نحبه فلينظر الى طلحة بن عبيد الله”.
عطاء بلا حدود
وظل طلحة بن عبيد الله على عهده مع خلفاء النبي
صلى الله عليه وسلم. وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار عمر الناس في الزحف
لقتال الفرس الذين
اجتمعوا في نهاوند
لقتال المسلمين واجهاض دعوة الاسلام. وكان طلحة
بن عبيد الله من الخطباء المبرزين فقام فتشهد وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: “أما بعد يا
أمير المؤمنين
قد أحكمتك الأمور وعجنتك
البلايا وأحنكتك التجارب فأنت وشأنك وأنت ورأيك.
واليك هذا الأمر فمرنا نطع وادعنا نجب واحملنا نركب وقدنا ننقد فإنك ولي هذا الأمر وقد
بلوت واختبرت فلم
ينكشف لك عن شيء
من عواقب قضاء الله عز وجل الا عن خيار”. وقد كتب
الله النصر للمسلمين بفضل المشورة الصادقة والطاعة الملتزمة وروح الفداء والانفاق في
سبيل الله من أمثال
طلحة بن عبيد الله.
وبقدر ما كان طلحة جواداً بنفسه في سبيل الله
والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جوادا بماله. فقد رزقه الله رزقا حسناً
ووسع له في تجارته.
وكان رضي الله عنه سخياً محباً لفعل الخير معدودا
من أجواد قريش وكرمائها، فكان لا يدع أحداً من بني تميم أهله الا كفاه مؤونته ومؤونة
عياله وزوج أيامهم
وأخدم عائلهم وقضى دين غارمهم.
وكلما اتسعت تجارته اتسع قلبه لفعل الخير وكثر
عطاؤه في سبيل الله.
يقول قبيصة بن جابر: “ما رأيت أحداً أعطى لجزيل
مال من غير مسألة من طلحة بن عبيد الله”. ويروي ابن سعد في طبقاته أن طلحة باع أرضا له
الى عثمان بن عفان
بسبعمائة ألف.
فحملها اليه. فلما جاء بها قال طلحة: “ان رجلاً
تبيت هذه عنده في بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله العزيز”، فبات ورسله تختلف بها في
سلك المدينة يوزعونها
على الفقراء حتى أسحر وما عنده منها درهم.
وتروي عنه زوجته سعدى بنت عوف:دخل على طلحة يوماً
فقلت:ما شأنك؟ قال:المال الذي عندي قد كثر وأكربنى.فقلت:وما عليك؟ اقسمه (أي وزعه على
الفقراء) فقسمه حتى ما بقي عندهم درهم.
وبسبب هذه الخصال الكريمة وذلك الجهاد بالنفس
والمال والحب لله ورسول الله أحبه الله ورسوله. فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لطلحة:
“أنت في حفظ الله ونظره حتى تلحق به”. وعن أنس
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلحة بن عبيد الله: “أبشر يا أبا
محمد. ان الله قد
غفر لك من ذنبك ما تقدم وما تأخر. وقد أثبت اسمك في
في موقعة الجمل
وقد كان طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين
بالجنة وأحد الستة أولي الرأي الذين أوكل اليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أمر
المسلمين من بعده. وهم الذين اختاروا عثمان بن
عفان وبايعوه.
وكان من المطالبين بثأر عثمان بن عفان رضي الله
عنه. وفي موقعة الجمل وعندما تراءى الجيشان نادى علي طلحة مثلما فعل مع الزبير وقال: يا أبا محمد. ما الذي أخرجك؟
فقال: الطلب بدم عثمان.
قال علي: قتل الله أولادنا بدم عثمان. أما سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “اللهم وال من والاه وعاد من عاداه” وأنت أول من
بايعني ثم نكثت وقد قال الله عز وجل:
“ومن نكث فانما ينكث على نفسه” فلما سمع طلحة هذا
قال: أستغفر الله. وخرج من المعركة. فرآه مروان بن الحكم راجعا فرماه بسهم فمات بعدها.
ويروى أنه عندما
أصيب قال لغلامه:
أردفني وأبلغني مكاناً أنزل فيه. وقيل انه اجتاز
به رجلا من أصحاب علي فقال له: أنت من أصحاب أمير المؤمنين؟ قال: نعم.قال: امدد يدك
أبايعك له. فبايعه. ولما قضى دفن في بني
سعد.
والى لقاء آخر أستودعكم الله
الموضوع : شخصية الأسبوع الشخصية العشرون المصدر : مسجد الهدي المحمدي الكاتب: على حسن عبد الهادى توقيع العضو/ه :على حسن عبد الهادى |
|