أنس بن مالك بن النَّضر الخزرجي
الأنصاري
ولد بالمدينة ، وأسلم صغيراً وهو أبو
ثُمامة الأنصاري النّجاري ، وأبو حمزة كنّاه بهذا الرسـول الكريم
وخدم
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد أخذته أمه( أم سليم )الى رسـول
الله وعمره يوم ذاك عشر سنين ، وقالت :( يا رسـول الله ، هذا أنس غلامك
يخدمك
فادع الله له ) فقبله الرسـول بين عينيه ودعا له :( اللهم أكثر ماله وولده
وبارك له ، وأدخله الجنة )
فعاش تسعا وتسعيـن سنة ،
ورزق من البنين والحفـدة الكثيريـن كما أعطاه الله فيما أعطاه من الرزق
بستانا رحبا ممرعا كان يحمل الفاكهة في العام مرتين ، ومات وهو ينتظر الجنة.
يقول أنس -رضي الله عنه- : أخذت
أمّي بيدي وانطلقت بي الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت
:( يا رسول الله إنه لم يبقَ رجل ولا امرأة من الأنصار إلا وقد
أتحفتْك بتحفة ، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا ، فخذه فليخدمك ما بدا لك )
فخدمتُ رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- عشر سنين ، فما ضربني ضربةً ، ولا سبّني سبَّة ، ولا انتهرني ،
ولا عبسَ في وجهي ، فكان أول ما أوصاني به أن قال :( يا بُنيّ أكتمْ سرّي تك
مؤمناً )
فكانت أمي وأزواج النبي -صلى الله عليه
وسلم- يسألنني عن سِرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فلا أخبرهم به ، وما أنا مخبر بسرِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحداً
أبداً
دخل الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- على أنس
بن مالك فقال عنده ( من القيلولة ) فعرق ،
فجاءت أمه بقارورة فجعلت تُسْلِتُ العرقَ فيها ، فاستيقظ النبـي -صلى الله عليه وسلم- بها ، فقال :(
يا أم سُلَيْم ، ما هذا الذي تصنعين ؟) قالت
:( هذا عَرَقُك نجعله في طيبنا ، وهو من أطيب الطيب من ريح رسول الله -صلى الله عليه وسلم -)
وقد قال أنس :( ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً أطيبَ ولا مسسْتُ
شيئاً قط ديباجاً ولا خزّاً ولا حريراً ألين مسّاً من رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-
خرج أنس مع النبي -صلى الله
عليه وسلم- الى بدر وهو غلام يخدمه ، وقد سأل اسحاق بن عثمان موسى بن
أنس :( كم غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال :( سبع وعشرون غزوة ، ثمان
غزوات يغيب فيها الأشهر ، وتسع عشرة يغيب فيها الأيام )
فقال :( كم غزا أنس بن مالك ؟) قال :( ثمان
غزوات )
كان أنس -رضي الله عنه- قليل الحديث عن
الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فكان إذا حدّث يقول حين
يفرغ : أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وقد حدّث مرة بحديثٍ عن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رجلٍ :( أنت سمعته من رسول الله
؟) فغضب غضباً شديداً وقال :( والله ما كلُّ ما نحدِّثكم سمعناه من رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-، ولكن كان يحدِّث بعضنا بعضاً ، ولا نتّهِمُ
بعضنا )
قال
أبو غالب :( لم أرَ أحداً كان أضنَّ بكلامه من أنس بن مالك
)
وكان أنس -رضي اللـه عنه- ابتلي بالوَضَح ، قال
أحمد بن صالح العِجْلي :( لم يُبْتَلَ أحد من أصحاب
رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- إلا رجلين : مُعَيْقيب كان به هذا
الداء الجُذام ، وأنس بن مالك كان به وَضَحٌ )
كان أنس بن مالك أحد الرماة
المصيبين ، ويأمر ولده أن يرموا بين يديه ، وربّما رمى معهم فيغلبهم بكثرة إصابته
لمّا استخلف أبو بكر الصديق بعث الى أنس بن
مالك ليوجهه الى البحرين على السعاية ، فدخل عليه
عمر فقال له أبو بكر :( إني أردت أن أبعث هذا الى البحرين وهو فتى شاب
) فقال له عمر :( ابعثه فإنه لبيبٌ كاتبٌ )
لمّا مات أنس -رضي الله عنه- قال مؤرق العجلي :(
ذهب اليوم نصف العِلْم ) فقيل له :( وكيف ذاك يا
أبا المُغيرة ؟) قال :( كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث عن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قلنا له : تعالَ الى مَنْ سمعَهُ منه
) يعني أنس بن مالك
قال أنس بن مالك لبنيه :( يا بنيَّ قَيّدوا العلمَ بالكتاب )
دخل ثابـت البُنَاني على
أنس بن مالك -رضي اللـه عنه- فقال :( رأتْ عيْناك رسـول اللـه -صلى الله
عليه وسلم- ؟!) فقال :( نعم ) فقبّلهما ثم قال :( فمشت رجلاك في حوائج رسـول اللـه -صلى
اللـه عليه وسلم- ؟!) فقال :( نعم ) فقبّلهما ثم قال :(
فصببتَ الماء بيديك ؟!) قال :( نعم ) فقبّلهما ثم قال له أنس :( يا ثابت ، صببتُ الماءَ بيدي
على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لوضوئه فقال لي
:( يا غلام أسْبِغِ الوضوءَ يزدْ في عمرك ، وأفشِ السلام تكثر حسناتك ،
وأكثر من قراءة القرآن تجيءْ يوم القيامة معي كهاتين ) وقال بأصبعيه هكذا السبابة والوسطى )
لقد قدم أنس بن مالك دمشق في عهد معاوية ،
والوليد بن عبد الملك حين استخلف سنة ست وثمانين
، وفي أحد الأيام دخل الزهري عليه في دمشق وهو وحده ، فوجده يبكي فقال له :( ما يبكيك ؟) فقال :(
ما أعرف شيئاً مما أدركنا إلا هذه الصلاة ، وهذه
الصلاة قد ضُيّعت ) بسبب تأخيرها من الولاة عن أول وقتها
قال ثابت :( كنت مع أنس
فجاءه قَهْرمانُهُ -القائم بأموره- فقال :( يا أبا حمزة عطشت أرضنا ) فقام أنس فتوضأ وخرج إلى
البرية ، فصلى ركعتين ثم دَعا ، فرأيت السحاب يلتئم ،
ثم أمطرت حتى ملأت كلّ شيءٍ ، فلما سكن المطر بعث أنس بعض أهله فقال :(
انظر أين بلغت السماء ) فنظر فلم تَعْدُ أرضه إلا يسيرا )
توفي -رضي الله عنه- في البصرة ، فكان آخر من مات
في البصرة من الصحابة ، وكان ذلك على الأرجح سنة (
93 هـ ) وقد تجاوز المئة ودُفِنَ على فرسخين من البصرة ، قال ثابـت البُنانـي :( قال لي
أنس بن مالك : هذه شعرةٌ من شعر رسـول اللـه -صلى اللـه
عليه وسلم- فضعها تحت لساني ) قال :( فوضعتها تحت لسانه ، فدُفن وهي تحت لسانه )
كما أنه كان عنده
عُصَيَّة لرسول الله -صلى الله
عليه وسلم- فمات فدُفنت معه بين جيبه وبين قميصه ، وقال أنس بن سيرين :(
شهدت أنس بن مالك وحضره الموت فجعل يقول : لقِّنُوني لا إله إلا الله ، فلم يزل يقولوها حتى
قُبِضَ )
والى لقاء أخر أستودعكم الله الذى لا تضيع ودائعة